فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» أَخْرُجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي " مُسْنَدِهِ "، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ ".
وَحَدُّ الْجَامِدِ الَّذِي لَا تَسْرِي النَّجَاسَةُ إلَى جَمِيعِهِ، هُوَ الْمُتَمَاسِكُ الَّذِي فِيهِ قُوَّةٌ تَمْنَعُ انْتِقَالَ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ إلَى مَا سِوَاهُ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الدُّوشَابِ. يَعْنِي: يَقَعُ فِيهِ نَجَاسَةٌ؟ قَالَ: إذَا كَانَ كَثِيرًا أَخَذُوا مَا حَوْلَهُ، مِثْلُ السَّمْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ حَدُّ الْجَامِدِ مَا إذَا فُتِحَ وِعَاؤُهُ لَمْ تَسِلْ أَجْزَاؤُهُ.
وَظَاهِرُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ خِلَافُ هَذَا؛ فَإِنَّ الدُّوشَابَ لَا يَكَادُ يَبْلُغُ هَذَا، وَسَمْنُ الْحِجَازِ لَا يَكَادُ يَبْلُغُهُ، وَالْمَقْصُودُ بِالْجُمُودِ أَنْ لَا تَسْرِيَ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ تَنَجُّسُ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ]
(٣٥) فَصْلٌ: وَإِنْ تَنَجَّسَ الْعَجِينُ وَنَحْوُهُ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَطْهِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ نُقِعَ السِّمْسِمُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ فِي الْمَاءِ النَّجِسِ، حَتَّى انْتَفَخَ وَابْتَلَّ، لَمْ يَطْهُرْ. قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي سِمْسِمٍ نُقِعَ فِي تِيغَارٍ، فَوَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ، فَمَاتَتْ؟ قَالَ: لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ. قِيلَ: أَفَيُغْسَلُ مِرَارًا حَتَّى يَذْهَبَ ذَلِكَ الْمَاءُ؟ قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ ابْتَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ؛ لَا يُنَقَّى مِنْهُ وَإِنْ غُسِلَ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْعَجِينِ وَالسِّمْسِمِ: يُطْعَمُ النَّوَاضِحَ، وَلَا يُطْعَمُ لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. يَعْنِي لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَرِيبًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: يُطْعَمُ الدَّجَاجَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُطْعَمُ الْبَهَائِمَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يُطْعَمُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ شُحُومِ الْمَيْتَةِ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. وَلَنَا: مَا رَوَى أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «أَنَّ قَوْمًا اخْتَبَزُوا مِنْ آبَارِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute