للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكُفَّارِ، يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، قَامَ إلَيْهِ أَبُوهُ فَلَطَمَهُ، وَجَعَلَ يَرُدُّهُ، قَالَ عُمَرُ: فَقُمْت إلَى جَانِبِ أَبِي جَنْدَلٍ، فَقُلْت: إنَّهُمْ الْكُفَّارُ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ. وَجَعَلْت أُدْنِي مِنْهُ قَائِمَ السَّيْفِ لَعَلَّهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ، قَالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ.

الثَّانِي، شَرْطٌ فَاسِدٌ، مِثْل أَنْ يَشْتَرِطَ رَدَّ النِّسَاءِ، أَوْ مُهُورِهِنَّ، أَوْ رَدَّ سِلَاحِهِمْ، أَوْ إعْطَاءَهُمْ شَيْئًا مِنْ سِلَاحِنَا، أَوْ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ، أَوْ يَشْتَرِطَ لَهُمْ مَالًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ، أَوْ يَشْتَرِطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءُوا، أَوْ أَنَّ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ نَقْضًا، أَوْ يَشْتَرِطَ رَدَّ الصِّبْيَانِ، أَوْ رَدَّ الرِّجَالِ، مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

فَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ، لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهَا. وَهَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، إلَّا فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ طَائِفَةَ الْكُفَّارِ يَبْنُونَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَلَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ مِنْهُمْ، وَلَا أَمْنُهُمْ مِنَّا، فَيَفُوتُ مَعْنَى الْهُدْنَةِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ شَرْطُ رَدِّ النِّسَاءِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] إلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ» .

وَتُفَارِقُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا أَنَّهَا لَا تَأْمَنُ مِنْ أَنْ تُزَوَّجَ كَافِرًا يَسْتَحِلُّهَا، أَوْ يُكْرِهُهَا مَنْ يَنَالُهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] . الثَّانِي، أَنَّهَا رُبَّمَا فُتِنَتْ عَنْ دِينِهَا؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ قَلْبًا، وَأَقَلُّ مَعْرِفَةً مِنْ الرَّجُلِ. الثَّالِثُ، أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُمْكِنُهَا فِي الْعَادَةِ الْهَرَبُ وَالتَّخَلُّصُ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ.

وَلَا يَجُوزُ رَدُّ الصِّبْيَانِ الْعُقَلَاءِ إذَا جَاءُوا مُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ فِي الضَّعْفِ فِي الْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْعَجْزِ عَنْ التَّخَلُّصِ وَالْهَرَبِ. فَأَمَّا الطِّفْلُ الَّذِي لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ، فَيَجُوزُ رَدُّهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ.

[فَصْلٌ طَلَبَتْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيَّةٌ مُسْلِمَةٌ الْخُرُوجَ مِنْ عِنْد الْكُفَّارِ]

(٧٥٩٨) فَصْلٌ: وَإِذَا طَلَبَتْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيَّةٌ مُسْلِمَةٌ، الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِ الْكُفَّارِ، جَازَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ إخْرَاجُهَا؛ لِمَا رُوِيَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، وَقَفَتْ ابْنَةُ حَمْزَةَ عَلَى الطَّرِيقِ فَلَمَّا مَرَّ بِهَا عَلِيٌّ قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ، إلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَتَنَاوَلَهَا، فَدَفَعَهَا إلَى فَاطِمَةَ، حَتَّى قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>