حَاجَتِهِمْ إلَيْهِمْ، أَوْ يَشْتَرِطَ لَهُمْ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ الرِّجَالِ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ. فَهَذَا يَصِحُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ شَرْطُ رَدِّ الْمُسْلِمِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيه وَتَمْنَعُهُ.
وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطَ ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَوَفَّى لَهُمْ بِهِ، فَرَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ» ، وَلَمْ يَخُصَّ بِالشَّرْطِ ذَا الْعَشِيرَةِ، وَلِأَنَّ ذَا الْعَشِيرَةِ إذَا كَانَتْ عَشِيرَتُهُ هِيَ الَّتِي تَفْتِنُهُ وَتُؤْذِيه، فَهُوَ كَمَنْ لَا عَشِيرَةَ لَهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَمَتَى شَرَطَ لَهُمْ ذَلِكَ، لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا فِي طَلَبِهِ، لَمْ يَمْنَعْهُمْ أَخْذَهُ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْإِمَامُ عَلَى الْمُضِيِّ مَعَهُمْ.
وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ سِرًّا بِالْهَرَبِ مِنْهُمْ، وَمُقَاتَلَتِهِمْ «، فَإِنَّ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا. فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، قَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي طَرِيقِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَك، قَدْ رَدَدْتنِي إلَيْهِمْ، فَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ. فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَلُمْهُ، بَلْ قَالَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ، لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، فَجَعَلُوا لَا تَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا، فَأَخَذُوهَا، وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ، إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ، أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ، وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ أَحَدًا جَاءَهُ، فَفَعَلَ. فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ أَنْ يَتَحَيَّزُوا نَاحِيَةً، وَيَقْتُلُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُونَ فِي الصُّلْحِ.
وَإِنْ ضَمَّهُمْ الْإِمَامُ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْكُفَّارِ، دَخَلُوا فِي الصُّلْحِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ قَتْلُ الْكُفَّارِ وَأَمْوَالُهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ إلَى النَّبِيِّ هَارِبًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute