وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ، إنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إلَى الْعُشُورِ، فَقُلْت: تَبْعَثُنِي إلَى الْعُشُورِ مِنْ بَيْنِ عُمَّالِك، قَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ أَجْعَلَك عَلَى مَا جَعَلَنِي عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ أَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَهَذَا كَانَ بِالْعِرَاقِ.
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ، أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا، فِي كُلِّ عُشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَهَذَا كَانَ بِالْعِرَاقِ، وَاشْتَهَرَتْ هَذِهِ الْقِصَصُ وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ إجْمَاعًا، وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَأْتِ تَخْصِيصُ الْحِجَازِ بِنِصْفِ الْعُشْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ عَلِمْنَاهُ، لَا عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ ظَاهِرُ أَحَادِيثِهِمْ، أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحِجَازِ، وَمَا وَجَبَ مِنْ الْمَالِ فِي الْحِجَازِ وَجَبَ فِي غَيْرِهِ كَالدُّيُونِ وَالصَّدَقَاتِ.
[فَصْلٌ الْجِزْيَةُ وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً]
(٧٦٧٦) فَصْلٌ: وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ: كَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، عَنْ عُمَرَ حِينَ كَتَبَ، أَلَّا يَأْخُذَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فِي الدَّاخِلِينَ أَرْضَ الْحِجَازِ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّ عَامِلَك عَشَرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ. قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ. ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ، أَنْ لَا تَعْشِرُوا فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً.
وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَالزَّكَاةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَكَذَلِكَ هَذَا. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى أَخَذَ مِنْهُمْ ذَلِكَ مَرَّةً، كَتَبَ لَهُمْ حُجَّةً بِأَدَائِهِمْ؛ لِتَكُونَ وَثِيقَةً لَهُمْ، وَحُجَّةً عَلَى مَنْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ، فَلَا يَعْشِرُهُمْ ثَانِيَةً، فَإِنْ مَرَّ ثَانِيَةً بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ، أَخَذَ مِنْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْشَرْ.
[فَصْلٌ كَانَ مَعَ الذِّمِّيِّ عَشَرَةُ دَنَانِير الْجِزْيَة]
فَصْلٌ: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ، فَلَوْ مَرَّ بِالْعَاشِرِ مِنْهُمْ مُنْتَقِلٌ وَمَعَهُ أَمْوَالُهُ أَوْ سَائِمَةٌ، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُ لِلتِّجَارَةِ أُخِذَ مِنْهُ نِصْفُ عُشْرِهَا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْقَدْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute