أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَمَرَ رَجُلًا زَوَّجَهُ امْرَأَةً الْمُغِيرَةُ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ. وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ مَلَكَهُ بِالْإِذْنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ، كَالْبَيْعِ. وَبِهَذَا فَارَقَ مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إنْ وَكَّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ النِّكَاحَ، وَتَوَلَّى هُوَ الْإِيجَابَ، جَازَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي ابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى: لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْحَاكِمُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَلَا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُزَوِّجُهُ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَهَذَا عَقْدٌ مَلَكَهُ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ، كَالْبَيْعِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ مَعَ وُجُودِهِ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ، وَلِأَنَّ وَكِيلَهُ يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَلِيَهُ عَلَيْهَا لَهُ إذَا كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ، كَالْإِمَامِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ
وَلِأَنَّ هَذِهِ امْرَأَةٌ، وَلَهَا وَلِيٌّ حَاضِرٌ غَيْرُ عَاضِلٍ، فَلَمْ يَلِهَا الْحَاكِمُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى هَذِهِ. (٥١٧٧) فَصْلٌ: وَإِذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا، وَلَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَهَا نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَزْوِيجَهَا غَيْرَهُ، وَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ. فَإِنْ زَوَّجَهَا لِابْنِهِ الْكَبِيرِ، قَبِلَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَوَلَّاهُ
فَوَكَّلَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا لِوَلَدِهِ، وَقَبِلَ هُوَ النِّكَاحَ لَهُ، افْتَقَرَ إلَى إذْنِهَا لِلْوَكِيلِ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا. وَإِنْ وَكَّلَ رَجُلًا يَقْبَلُ لِوَلَدِهِ النِّكَاحَ، وَأَوْجَبَ هُوَ النِّكَاحَ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَذِنَتْ لَهُ.
[فَصْلٌ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ]
(٥١٧٨) فَصْلٌ: وَإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، لَا بِحُكْمِ الْإِذْنِ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِأَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ، فَوَكَّلَهُ مَالِكُ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِيهِ، أَوْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ فِي الْإِيجَابِ وَالزَّوْجُ فِي الْقَبُولِ، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ
وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُكَافِئُهَا، فَيُخَرَّجُ فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ. وَإِنْ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا مِمَّنْ لَا يُكَافِئُهَا. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُزَوِّجُ كَافِرٌ مُسْلِمَةً بِحَالِ وَلَا مُسْلِمٌ كَافِرَةً]
(٥١٧٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُزَوِّجُ كَافِرٌ مُسْلِمَةً بِحَالٍ، وَلَا مُسْلِمٌ كَافِرَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سُلْطَانًا، أَوْ سَيِّدَ أَمَةٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute