فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِعَمْرٍو، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لِعَمْرٍو؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِالزِّيَادَةِ، وَلَا زِيَادَةَ. وَلَا تُمْنَعُ الْمُزَاحَمَةُ بِهِ، وَلَا يُعْطَى شَيْئًا، كَوَلَدِ الْأَبِ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، فِي مُزَاحَمَةِ الْجَدِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الثُّلُثِ فَضْلٌ عَنْ الْمِائَةِ، أَنْ يُرَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمِائَةَ بِالْإِجَازَةِ، فَمَعَ الرَّدِّ يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، كَسَائِرِ الْوَصَايَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ امْتَنَعَ زَيْدٌ مِنْ الْحَجِّ، وَكَانَتْ الْحِجَّةُ وَاجِبَةً، اُسْتُنِيبَ ثِقَةٌ غَيْرُهُ فِي الْحَجِّ بِأَقَلَّ مَا يُمْكِنُ، وَتَمَامُ الْمِائَةِ لِلْوَرَثَةِ، وَلِعَمْرٍو مَا فَضَلَ. وَإِنْ كَانَتْ الْحِجَّةُ تَطَوُّعًا، فَفِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِهَا وَجْهَانِ، ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا مَضَى.
[فَصْل أُوصَى لِزَيْدٍ بِعَبْدِ بِعَيْنِهِ وَلِعَمْرٍو بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ]
فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَلِعَمْرٍو بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ، قُوِّمَ الْعَبْدُ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ حَالُ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ، وَدُفِعَ إلَى زَيْدٍ، وَدُفِعَ بَقِيَّةُ الثُّلُثِ إلَى عَمْرٍو. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ، بَطَلَتْ وَصِيَّةُ عَمْرٍو. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ رَدَّ زَيْدٌ وَصِيَّتَهُ، بَطَلَتْ وَلَمْ تَبْطُلْ وَصِيَّةُ عَمْرٍو. وَهَكَذَا إنْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، قَوَّمْنَا التَّرِكَةَ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي بِدُونِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قِيمَتِهِ شَيْءٌ، فَهُوَ لِعَمْرٍو، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ. وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِ عَبْدَيْهِ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ. ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ فِي زِيَادَةِ الثُّلُثِ عَنْ قِيمَةِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ بَطَلَ تَدْبِيرُ الْأَوَّلِ لِرُجُوعِهِ فِيهِ، أَوْ خُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ فَقُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ]
(٤٧٦٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، فَقُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ، فَلِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى لَيْسَ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ مُشَاعٌ، فَقُتِلَ الْمُوصِي، وَأُخِذَتْ دِيَتُهُ، هَلْ لِلْوَصِيِّ مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ لَا؟ فَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي دِيَةِ الْخَطَأِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ، لَا يُدْخِلُ الدِّيَةَ فِي وَصِيَّتِهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَكْحُولٍ، وَشَرِيكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَدَاوُد. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِي دِيَةِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، بِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَهَا الْمَوْتُ، فَلَا يَجُوزُ وُجُوبُهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجِبَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ الثَّابِتَةُ لَهُ، فَكَيْفَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكٌ؟ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَ إنَّمَا يُوصِي بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، لَا بِمَالِ وَرَثَتِهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِهِ، وَنَفْسِهِ لَهُ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا، وَلِأَنَّ بَدَلَ أَطْرَافِهِ فِي حَالَ حَيَاتِهِ لَهُ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِهَذَا نَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَيُجَهَّزُ مِنْهَا إنْ كَانَ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ مِنْ أَمْلَاكِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute