للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فَتْح قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ أَوْ حَلَّ دَابَّةً فَذَهَبَتْ]

(٤٠٠٥) فَصْلٌ: وَإِذَا فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ، أَوْ حَلَّ دَابَّةً فَذَهَبَتْ، ضَمِنَهَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهَاجَهُمَا حَتَّى ذَهَبَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ وَقَفَا بَعْدَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ، ثُمَّ ذَهَبَا، لَمْ يَضْمَنْهُمَا، وَإِنْ ذَهَبَا عَقِيبَ ذَلِكَ، فَفِيهِ قَوْلَانِ. وَاحْتَجَّا بِأَنَّ لَهُمَا اخْتِيَارًا، وَقَدْ وُجِدَتْ مِنْهُمَا الْمُبَاشَرَةُ، وَمِنْ الْفَاتِحِ سَبَبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ.

فَإِذَا اجْتَمَعَا، لَمْ يَتَعَلَّقْ الضَّمَانُ بِالسَّبَبِ، كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَجَاءَ عَبْدٌ لَإِنْسَانٍ، فَرَمَى نَفْسَهُ فِيهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ ذَهَبَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ نَفَّرَهُ، أَوْ ذَهَبَ عَقِيبَ فَتْحِهِ وَحَلِّهِ، وَالْمُبَاشَرَةُ إنَّمَا حَصَلَتْ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَيَسْقُطُ، كَمَا لَوْ نَفَّرَ الطَّائِرَ، وَأَهَاجَ الدَّابَّةَ، أَوْ أَشْلَى كَلْبًا عَلَى صَبِيٍّ فَقَتَلَهُ، أَوْ أَطْلَقَ نَارًا فِي مَتَاعِ إنْسَانٍ، فَإِنَّ لِلنَّارِ فِعْلًا، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا، كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِأَنَّ الطَّائِرَ وَسَائِرَ الصَّيْدِ مِنْ طَبْعِهِ النُّفُورُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِالْمَانِعِ، فَإِذَا أُزِيلَ الْمَانِعُ ذَهَبَ بِطَبْعِهِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ أَزَالَ الْمَانِعَ، كَمَنْ قَطَعَ عَلَاقَةَ قِنْدِيلٍ، فَوَقَعَ فَانْكَسَرَ.

وَهَكَذَا لَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ فَذَهَبَ، أَوْ أَسِرْ فَأَفْلَتَ. وَإِنْ فَتَحَ الْقَفَصَ، وَحَلَّ الْفَرَسَ، فَبَقِيَا وَاقِفَيْنِ، فَجَاءَ إنْسَانٌ فَنَفَّرَهُمَا فَذَهَبَا، فَالضَّمَانُ عَلَى مُنَفِّرِهِمَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ، فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ، كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ. وَإِنْ وَقَعَ طَائِرٌ إنْسَانٍ عَلَى جِدَارٍ، فَنَفَّرَهُ إنْسَانٌ، فَطَارَ، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ تَنْفِيرَهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبَ فَوَاتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ ذَلِكَ. وَإِنْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ، ضَمِنَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ تَنْفِيرُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ مَرَّ الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ دَارِهِ، فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَ الطَّائِرِ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَاهُ فِي هَوَاءِ دَارِ غَيْرِهِ.

[فَصْلٌ حَلَّ زِقًّا فِيهِ مَائِعٌ فَانْدَفَقَ]

(٤٠٠٦) فَصْلٌ: وَلَوْ حَلَّ زِقًّا فِيهِ مَائِعٌ، فَانْدَفَقَ، ضَمِنَهُ، سَوَاءٌ خَرَجَ فِي الْحَالِ، أَوْ خَرَجَ قَلِيلًا قَلِيلًا، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلَّ أَسْفَلَهُ فَسَقَطَ، أَوْ ثَقُلَ أَحَدُ جَانِبَيْهِ فَلَمْ يَزُلْ يَمِيلُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى سَقَطَ، أَوْ سَقَطَ بِرِيحٍ، أَوْ بِزَلْزَلَةِ الْأَرْضِ، أَوْ كَانَ جَامِدًا فَذَابَ بِشَمْسٍ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ إذَا سَقَطَ بِرِيحٍ أَوْ زَلْزَلَةٍ، وَيَضْمَنُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَهُمْ فِيمَا إذَا ذَابَ بِالشَّمْسِ وَجْهَانِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ، وَالْمَعْنَى الْحَادِثُ مُبَاشَرَةٌ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الضَّمَانُ بِفِعْلِهِ. كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إنْسَانٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>