[فَصْلٌ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَا يَدِرُّ بِهِ لَبَنُهَا وَيَصْلُحُ بِهِ]
(٤٢٤٢) فَصْلٌ: وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَا يُدَرُّ بِهِ لَبَنُهَا، وَيَصْلُحُ بِهِ، وَلِلْمُكْتَرِي مُطَالَبَتُهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّمْكِينِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَفِي تَرْكِهِ إضْرَارٌ بِالصَّبِيِّ. وَمَتَى لَمْ تُرْضِعْهُ، وَإِنَّمَا أَسْقَتْهُ لَبَنَ الْغَنَمِ، أَوْ أَطْعَمَتْهُ، فَلَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُوَفِّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اكْتَرَاهَا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، فَلَمْ تَخِطْهُ
وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا فَأَرْضَعَتْهُ، فَكَذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي: لَهَا أَجْرُهَا؛ لِأَنَّ رَضَاعَهُ حَصَلَ بِفِعْلِهَا. وَلَنَا أَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ الْغَنَمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَتْ: أَرْضَعْته. فَأَنْكَرَ الْمُسْتَرْضِعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ.
[فَصْلٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤْجَر أَمَتَهُ وَمُدَبَّرَتَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ وَمِنْ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِصِفَةِ وَالْمَأْذُونَ لَهَا فِي التِّجَارَةِ لِلْإِرْضَاعِ]
(٤٢٤٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَجِّرَ أَمَتَهُ، وَمُدَبَّرَتَهُ، وَأُمَّ وَلَدِهِ، وَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِصِفَةٍ، وَالْمَأْذُونَ لَهَا فِي التِّجَارَةِ، لِلْإِرْضَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا، أَشْبَهَ إجَارَتَهَا لِلْخِدْمَةِ. وَلَيْسَ لَوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إجَارَةُ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا لِسَيِّدِهَا. وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ، لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لِلْإِرْضَاعِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَبَنُهَا فَضَلَ عَنْ رَيِّهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِوَلَدِهَا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً، لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لِذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ الزَّوْجِ، لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِإِرْضَاعِ الصَّبِيِّ وَحَضَانَتِهِ
فَإِنْ أَجَرَهَا لِلرَّضَاعِ، ثُمَّ زَوَّجَهَا، صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَا يَنْفَسِخُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، وَيَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا فِي حَالِ فَرَاغِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إلَّا بِرِضَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ اللَّبَنَ، وَقَدْ يَقْطَعُهُ. وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ، فَلَا يَسْقُطُ لِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ. وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجَارَةُ مُكَاتَبَتِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا إلَيْهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْ سَيِّدُهَا تَزْوِيجَهَا، وَلَا وَطْأَهَا، وَلَا إجَارَتَهَا فِي غَيْرِ الرَّضَاعِ
وَلَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَاتِ الِاكْتِسَابِ.
[فَصْلٌ اسْتِئْجَارُ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ]
(٤٢٤٤) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِئْجَارُ أُمِّهِ، وَأُخْتِهِ، وَابْنَتِهِ، لِرَضَاعِ وَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَقَارِبِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَتَهُ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ مِنْهَا، جَازَ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فَقَالَ: وَإِنْ أَرَادَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ بِأَجْرِ مِثْلِهَا، فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ أَوْ مُطَلَّقَتَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ
وَتَأَوَّلَ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِي حِبَالِ زَوْجٍ آخَرَ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْي. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ حَبْسَهَا وَالِاسْتِمْتَاعَ بِهَا بِعِوَضٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضٌ آخَرُ لِذَلِكَ.