[فَصْلٌ وَجَدَ الْعَيْنَ بَعْدَ خُرُوجهَا مِنْ مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ بِبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا]
(٤٥١٦) فَصْلٌ: وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُلْتَقِطِ وَقَعَ صَحِيحًا؛ لِكَوْنِهَا صَارَتْ فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ صَادَفَهَا قَدْ رَجَعَتْ إلَى الْمُلْتَقِطِ بِفَسْخٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ كَالزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَوَجَدَ الصَّدَاقَ قَدْ رَجَعَ إلَى الْمَرْأَةِ. وَسَائِرُ أَحْكَامِ الرُّجُوعِ هَاهُنَا كَحُكْمِ رُجُوعِ الزَّوْجِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ أَخَذَ اللُّقَطَةَ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا]
(٤٥١٧) فَصْلٌ: إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، ضَمِنَهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ وَجَدَ بَعِيرًا: أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدَتْهُ. وَلِمَا رُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ رَأَى فِي بَقَرِهِ بَقَرَةً قَدْ لَحِقَتْ بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ
وَلَنَا: أَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا، فَإِذَا ضَيَّعَهَا لَزِمَهُ ضَمَانُهَا كَمَا لَوْ ضَيَّعَ الْوَدِيعَةَ. وَلِأَنَّهَا لَمَّا حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، لَزِمَهُ حِفْظُهَا، وَتَرْكُهَا تَضْيِيعُهَا. فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَهُوَ فِي الضَّالَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ. فَأَمَّا مَا لَا يَحِلُّ الْتِقَاطُهُ إذَا أَخَذَهُ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ رَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْآثَارِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ تَرْكُهُ فِي مَكَانِهِ ابْتِدَاءٍ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَخْذِهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْرَأَ مِنْ ضَمَانِهِ بِرَدِّهِ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهِ بِرَدِّهِ إلَى مَكَانِهِ، كَالْمَسْرُوقِ وَمَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَبْرَأُ إلَّا بِرَدِّهِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. وَأَمَّا عُمَرُ فَهُوَ كَانَ الْإِمَامَ، فَإِذَا أَمَرَ بِرَدِّهِ كَانَ كَأَخْذِهِ مِنْهُ. وَحَدِيثُ جَرِيرٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْبَقَرَةَ، وَلَا أَخَذَهَا غُلَامُهُ، إنَّمَا لَحِقَتْ بِالْبَقَرِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِ.
[فَصْلٌ ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ مُلْتَقِطِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ]
(٤٥١٨) فَصْلٌ: وَإِنْ ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ مُلْتَقِطِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَأَشْبَهَتْ الْوَدِيعَةَ. فَإِنْ الْتَقَطَهَا آخَرُ، فَعَرَفَ أَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْ الْأَوَّلِ، فَعَلَيْهِ رَدُّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَوُّلِ وَوِلَايَةُ التَّعْرِيفِ وَالْحِفْظِ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِالضَّيَاعِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِالْحَالِ حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلًا، مَلَكَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ كَالْأَوَّلِ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ انْتِزَاعَهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ، وَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَهُ أَخْذُهَا مِنْ الثَّانِي، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، فَرَدَّهَا إلَيْهِ، فَأَبَى أَخْذَهَا، وَقَالَ: عَرِّفْهَا أَنْتَ
فَعَرَّفَهَا، مَلَكَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَرَكَ حَقَّهُ فَسَقَطَ. وَإِنْ قَالَ: عَرِّفْهَا، وَيَكُونُ مِلْكُهَا لِي. فَفَعَلَ، فَهُوَ مُسْتَنِيبٌ لَهُ فِي التَّعْرِيفِ، وَيَمْلِكُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute