وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ: هَلْ يُجْزِئُ فِيهِ النَّضْحُ، أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ؟ قَالَ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: الْمَذْيُ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ لَيْسَ يَدْفَعُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فِي الْمَذْيِ، مَا تَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَرْوِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُخَالِفُهُ.
وَهُوَ مَا رَوَى سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، قَالَ: «كُنْت أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَعَنَاءً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يُجْزِئُكَ مِنْهُ الْوُضُوءُ. قُلْت: فَكَيْفَ بِمَا أَصَابَ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: يَكْفِيك أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ مِنْهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ وُجُوبُ غَسْلِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَذْيِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، كَيْفَ الْعَمَلُ فِيهِ؟ قَالَ: الْغَسْلُ لَيْسَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رُبَّمَا تَهَيَّبْتُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمِمَّنْ أَمَرَ بِغَسْلِ الْمَذْيِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ، وَلِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ، فَوَجَبَ غَسْلُهَا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَلِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ. قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ لَا أَعْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا أَحْكُمُ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَرُبَّمَا تَهَيَّبْتُهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ.
[فَصْلٌ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَة]
فَصْلٌ: وَفِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَرْجِ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، أَشْبَهَ الْمَذْيَ. وَالثَّانِي: طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ جِمَاعٍ، فَإِنَّهُ مَا احْتَلَمَ نَبِيٌّ قَطُّ، وَهُوَ يُلَاقِي رُطُوبَةَ الْفَرْجِ، وَلِأَنَّنَا لَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، لَحَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ مَنِيِّهَا؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِهَا، فَيَتَنَجَّسُ بِرُطُوبَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَصَابَ مِنْهُ فِي حَالِ الْجِمَاعِ فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْمَذْيِ، وَهُوَ نَجِسٌ. وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ إذَا اشْتَدَّتْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دُونَ الْمَذْيِ، كَحَالِ الِاحْتِلَامِ.
[فَصْلٌ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِر]
(٩٨٧) فَصْلٌ: وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ. وَهَذَا مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرَى أَهْلُ الْعِلْمِ أَبْوَالَ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَشُرِبَ لَبَنُهُ نَجِسًا. وَرَخَّصَ فِي أَبْوَالِ الْغَنَمِ الزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ الصَّلَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute