الثَّالِثُ: أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ السَّائِلِ عَنْ حُكْمِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِهَا، وَالصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا فَلَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْوُضُوءِ الْمُرَادِ لِلصَّلَاةِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ غَسْلَ الْيَدِ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ الْغَنَمِ؛ فَإِنَّ غَسْلَ الْيَدِ مِنْهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَلِهَذَا قَالَ: " مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ ". وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ زِيَادَةِ الزُّهُومَةِ فَأَمْرٌ يَسِيرٌ، لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ نَصْرِفُ بِهِ اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ لَهُ مِنْ الْقُوَّةِ بِقَدْرِ قُوَّةِ الظَّوَاهِرِ الْمَتْرُوكَةِ، وَأَقْوَى مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّهُ طَرْدِيٌّ لَا مَعْنَى فِيهِ، وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي سَائِرِ الْمَأْكُولَاتِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي، لَا لِكَوْنِهِ مَأْكُولًا، فَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ مَأْكُولًا، وَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ مُخَالِفِينَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ تُخَالِفُ الْأُصُولَ؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَهُ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ خَارِجِهَا، بِحَدِيثٍ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَوْجَبَاهُ بِمَسِّ الذَّكَرِ، بِحَدِيثٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، مُعَارَضٍ بِمِثْلِهِ دُونَ مَسِّ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَتَرَكُوا هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ، مَعَ بُعْدِهِ عَنْ التَّأْوِيلِ، وَقُوَّةِ الدَّلَالَةِ فِيهِ، لِمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسٍ طَرْدِيٍّ.
[فَصْل شُرْبِ لَبَنِ الْإِبِلِ]
(٢٦٦) فَصْلٌ: وَفِي شُرْبِ لَبَنِ الْإِبِلِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِمَا رَوَى أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: تَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِهَا " وَسُئِلَ عَنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: " لَا تَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِهَا ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَالثَّانِيَةُ، لَا وُضُوءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ إنَّمَا وَرَدَ فِي اللَّحْمِ.
وَقَوْلُهُمْ: فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا صَحِيحَ فِيهِ سِوَاهُمَا، وَالْحُكْمُ هَاهُنَا غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ. وَفِيمَا سِوَى اللَّحْمِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَعِيرِ، مِنْ كَبِدِهِ، وَطِحَالِهِ وَسَنَامِهِ، وَدُهْنِهِ، وَمَرَقِهِ، وَكَرِشِهِ، وَمُصْرَانِهِ، وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute