[فَصْلٌ الدِّيَة تَغْلُظ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاء]
(٦٧٩١) فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الدِّيَةَ تُغَلَّظُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ إذَا قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَالشُّهُورِ الْحُرُمِ، وَإِذَا قَتَلَ مُحْرِمًا. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَلَى التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُحْرِمًا فِي الْحَرَمِ وَفِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَأَمَّا إنْ قَتَلَ ذَا رَحِمٍ، مَحْرَمٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَغْلُظ دِيَتُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تُغَلَّظُ بِالْحَرَمِ، وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَفِي التَّغْلِيظِ بِالْإِحْرَامِ وَجْهَانِ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّغْلِيظُ؛ عُثْمَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسَّعِيدَانِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّغْلِيظِ فِي صِفَتِهِ؛ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: تُغَلَّظُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُرُمَاتِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعْت الْحُرُمَاتُ الثَّلَاثُ، وَجَبَتْ دِيَتَانِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فِي مَنْ قَتَلَ مُحْرِمًا فِي الْحَرَمِ، وَفِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ: فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَهَذَا قَوْلُ التَّابِعِينَ الْقَائِلِينَ بِالتَّغْلِيظِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: صِفَةُ التَّغْلِيظِ، إيجَابُ دِيَةِ الْعَمْدِ فِي الْخَطَأِ لَا غَيْرُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّغْلِيظُ فِي غَيْرِ الْخَطَأِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ تَغْلِيظَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُ يُغَلَّظُ فِي الْعَمْدِ، فَإِذَا قَتَلَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَمْدًا، فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَتَغْلِيظُهَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ أَنْ نَنْظُرَ قِيمَةَ أَسْنَانِ الْإِبِلِ غَيْرَ مُغَلَّظَةٍ، وَقِيمَتَهَا مُغَلَّظَةً، ثُمَّ يُحْكَمُ بِزِيَادَةِ مَا بَيْنَهُمَا، كَانَ قِيمَتُهَا مُخَفَّفَةً سِتُّمِائَةٍ، وَفِي الْعَمْدِ ثَمَانُمِائَةٍ، وَذَلِكَ ثُلُثُ الدِّيَةِ الْمُخَفَّفَةِ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ تُغَلَّظُ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْجَدِّ، دُونَ غَيْرِهِمْ. وَاحْتَجَّا عَلَى صِفَةِ التَّغْلِيظِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَتَادَةَ الْمُدْلِجِي دِيَةَ ابْنِهِ حِينَ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فِي الْعَدَدِ شَيْئًا. وَهَذِهِ قِصَّةٌ اشْتَهَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ التَّغْلِيظَ أَوْجَبَهُ فِي الْأَسْنَانِ دُونَ الْقَدْرِ، كَالضَّمَانِ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ تَغْلِيظَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ التَّغْلِيظَ بِالضَّمَانِ إذَا اجْتَمَعَ سَبَبَانِ تَدَاخَلَا، كَالْحُرِّ وَالْإِحْرَامِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ بِالْإِحْرَامِ، أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِتَغْلِيظِهِ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ فِي الطَّوَافِ فَقَضَى عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا بِسِتَّةِ آلَافٍ وَأَلْفَيْنِ تَغْلِيظًا لِلْحَرَمِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ ذَا رَحِمٍ، أَوْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَثُلُثٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَفِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ: دِيَتُهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَلِلشَّهْرِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلِلْبَلَدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. وَهَذَا مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute