للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ شَدَّهُ بِسَيْرٍ، أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ قِرْطَاسًا فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ لَا دَوَاءَ فِيهِ، أَوْ خَضَّبَهُ بِحِنَّاءَ، أَوْ طَلَاهُ بِطِينٍ أَوْ نُورَةٍ، أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً، فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ سِتْرٌ لَهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ.

وَسَوَاء كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْعُذْرَ لَا يُسْقِطُ الْفِدْيَةَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: ١٩٦] . وَقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَكَانَ عَطَاءٌ يُرَخِّصُ فِي الْعِصَابَةِ مِنْ الضَّرُورَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ الْفِدْيَةُ عَنْهُ بِالْعُذْرِ، كَمَا لَوْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً مِنْ أَجْلِ الْبَرْدِ.

[فَصْل حَمَلَ الْمُحْرِم عَلَى رَأْسِهِ مِكْتَلًا أَوْ طَبَقًا أَوْ نَحْوَهُ]

(٢٣٦٧) فَصْلٌ: فَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ مِكْتَلًا أَوْ طَبَقًا أَوْ نَحْوَهُ؛ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ سَتَرَهُ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا لَا يُقْصَدُ بِهِ السَّتْرُ غَالِبًا، فَلَمْ تَجِبْ بِهِ الْفِدْيَةُ، كَمَا لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. وَسَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ السِّتْرَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ؛ لِأَنَّ مَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، فَكَذَلِكَ مَا لَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيل وُجُوبَ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ؛ لِأَنَّ الْحِيَلَ لَا تُحِيلُ الْحُقُوقَ.

وَإِنْ سَتَرَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ السَّتْرَ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ السَّتْرِ، وَلِذَلِكَ لَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَرْجِهِ، لَمْ تُجْزِئْهُ فِي السَّتْرِ، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَأْمُورٌ بِمَسْحِ رَأْسِهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِوَضْعِ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ.

وَإِنْ طَلَى رَأْسَهُ بِعَسَلٍ أَوْ صَمْغٍ؛ لِيَجْتَمِعَ الشَّعْرُ وَيَتَلَبَّدَ، فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْغُبَارُ، وَلَا يُصِيبُهُ الشُّعْثُ، وَلَا يَقَعُ فِيهِ الدَّبِيبُ، جَازَ. وَهُوَ التَّلْبِيدُ الَّذِي جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ مُلَبِّدًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ حَفْصَةَ، «أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا وَلَمْ تَحْلُلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك؟ قَالَ: إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي، وَقَلَّدْت هَدْيِي، فَلَا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وَإِنْ كَانَ فِي رَأْسِهِ طِيبٌ مِمَّا جَعَلَهُ فِيهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَلَا بَأْسَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ عَلَى رَأْسِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ الرُّبِّ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ.»

[فَصْلٌ تَغْطِيَة الْمُحْرِم وَجْهه]

(٢٣٦٨) فَصْلٌ: وَفِي تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ رِوَايَتَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>