(٣٠٥٥) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَا قُلْنَا: إنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَيُبَيِّنَهُ. فَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِهِ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِهِ وَبَيْنَ الرَّدِّ، إلَّا فِي الْخَبَرِ بِزِيَادَةِ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ فِيهِ. وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَمْرَهُ، فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ حَالًا وَبَيْنَ الْفَسْخِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَكُونُ ذِمَّتُهُ دُونَ ذِمَّةِ الْبَائِعِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الرِّضَى بِذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَى الْأَجَلِ يَعْنِي وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُسْتُهْلِكَ، حَبَسَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِقَدْرِ الْأَجَلِ.
وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَقَعَ عَلَى الْبَائِعِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ بِذَلِكَ عَلَى صِفَتِهِ، كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْبَيْعِ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَرْضَ بِبَيْعِهِ إلَّا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى رِضَاهُ، بَلْ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ. كَذَا هَاهُنَا (٣٠٥٦) فَصْلٌ: فَإِنْ ابْتَاعَهُ بِدَنَانِيرَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ، أَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ، أَوْ بِثَمَنٍ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، وَبَيْنَ الرِّضَى بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبَايَعَا بِهِ، كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا ذَلِكَ.
(٣٠٥٧) فَصْلٌ وَإِنْ ابْتَاعَ اثْنَانِ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ، وَبُذِلَ لَهُمَا فِيهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ فِيهِ بِذَلِكَ السِّعْرِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ فِي الْمُرَابَحَةِ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ يَبِيعُهُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ الَّذِي كَانَ أُعْطِيَهُ قَدْ كَانَ أَحْرَزَهُ. ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ الْأَوَّلَ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهُ الثَّانِي بِأَحَدَ عَشَرَ، فَصَارَ مَجْمُوعُهُمَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ.
[فَصْلٌ فِي مِنْ يَبِيع بِالرَّقْمِ]
(٣٠٥٨) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ. بِالرَّقْمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ. وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ مِقْدَارَهُ، أَوْ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِمَا اشْتَرَيْته بِهِ وَقَدْ عَلِمَا قَدْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ.
قَالَ أَحْمَدُ وَالْمُسَاوَمَةُ عِنْدِي أَسْهَلُ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ تَعْتَرِيهِ أَمَانَةٌ وَاسْتِرْسَالٌ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَبْيِينِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَلَا يُؤْمَنُ هَوَى النَّفْسِ فِي نَوْعِ تَأْوِيلٍ أَوْ غَلَطٍ فَيَكُونُ عَلَى خَطَرٍ وَغَرَرٍ وَتَجَنُّبُ ذَلِكَ أَسْلَمُ وَأَوْلَى.
[فَصْلٌ بَيْع التَّوْلِيَة]
فَصْلٌ (٣٠٥٩) وَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ هُوَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ مِنْ غَيْر نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَحُكْمُهُ فِي الْإِخْبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute