فَهُوَ يَمِينُ الْغَمُوسِ، لَا كَفَّارَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ. وَمَا يَظُنُّهُ حَقًّا، فَيَتَبَيَّنُ بِخِلَافِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ. فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَمَا عَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، وَقَصَدَ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَالَفَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَمَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَرَتْ عَلَى لِسَانِهِ، فَهُوَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ.
وَكَلَامُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهَا قَالَتْ: أَيْمَانُ اللَّغْوِ؛ مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ وَالْمُزَاحَةِ، وَالْهَزْلِ، وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ، وَأَيْمَانُ الْكَفَّارَةِ؛ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْأَمْرِ، فِي غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَيَفْعَلَنَّ أَوْ لَيَتْرُكَنَّ، فَذَلِكَ عَقْدُ الْأَيْمَانِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ فِيهَا الْكَفَّارَةَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، فِي " جَامِعِهِ ": الْأَيْمَانُ أَرْبَعَةٌ؛ يَمِينَانِ يُكَفَّرَانِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ. فَيَفْعَلُ. أَوْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. ثُمَّ لَا يَفْعَلُ. وَيَمِينَانِ لَا يُكَفَّرَانِ، أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت. وَقَدْ فَعَلَ، أَوْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت. وَمَا فَعَلَ.
[مَسْأَلَة الْيَمِينُ الْمُكَفِّرَة]
(٧٩٥٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْيَمِينُ الْمُكَفَّرَةُ، أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِهِ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ، أَوْ بِاَللَّهِ، أَوْ تَاللَّهِ. فَحَنِثَ، أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، يَقُولُونَ: مَنْ حَلَفَ بَاسِمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَحَنِثَ، أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إذَا كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ، الَّتِي لَا يُسَمَّى بِهَا سِوَاهُ.
وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، مَا لَا يُسَمَّى بِهَا غَيْرُهُ، نَحْوُ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ، وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَرَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ. وَنَحْوِ هَذَا، فَالْحَلِفُ بِهَذَا يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَالثَّانِي، مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَجَازًا، وَإِطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ، مِثْلَ الْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَالرَّبِّ، وَالرَّحِيمِ، وَالْقَادِرِ، وَالْقَاهِرِ، وَالْمَلِكِ، وَالْجَبَّارِ. وَنَحْوِهِ، فَهَذَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ مَجَازًا؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: ١٧] . {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: ١٢٥] .
وَقَوْلُهُ: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: ٥٠] وَ. {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢] فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ وَقَالَ: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: ٨] . وَقَالَ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] . فَهَذَا إنْ نَوَى بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَطْلَقَ، كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَإِنْ نَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute