للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَدَمُ ثُبُوتِ نَسَبِهِ فِي الظَّاهِرِ، لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ دَفْعِهِ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ شَيْئًا، وَلَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ بِغَصْبِهِ. وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْفَاضِلِ عَنْ مِيرَاثِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِمُحَلٍّ مُشْتَرَكٍ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْعَبْدِ بِجِنَايَةٍ، فَعَلَى هَذَا، إذَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ، فَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَهُوَ سُدُسُ الْمَالِ.

لِأَنَّهُ يَقُولُ: نَحْنُ ثَلَاثَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الثُّلُثُ، وَفِي يَدِي النِّصْفُ، فَفَضَلَ فِي يَدِي لَك السُّدُسُ، فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ. وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ دَفَعَ إلَيْهَا خُمُسَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: نَحْنُ أَخَوَانِ وَأُخْتٌ، فَلَكَ الْخُمُسُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَهُوَ خُمُسُ مَا فِي يَدِي، وَخُمُسُ مَا فِي يَدِ أَخِي. فَيَدْفَعُ إلَيْهَا خَمْسَ مَا فِي يَدِهِ، وَفِي قَوْلِهِمْ يَدْفَعُ إلَيْهَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ.

[فَصْلٌ أَقَرَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ بِوَارِثِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمَيِّتُ لِيَثْبُت نَسَبُهُ مِنْهُ]

(٤٩٣١) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ بِوَارِثٍ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمَيِّتُ لِيَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، ثَبَتَ نَسَبَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ وَاحِدًا، أَوْ جَمَاعَةً. وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ لَا يَثْبُت النَّسَبُ إلَّا بِإِقْرَارِ ابْنَيْنِ ذَكَرَيْنِ كَانَا أَوْ أُنْثَيَيْنِ، عَدْلَيْنِ أَوْ غَيْرِ عَدْلَيْنِ. وَنَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ

وَرَوَى ابْنُ اللَّبَّانِ، قَالَ أَشْعَثُ بْنُ سُوَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَأُخْتُهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعَهُمَا صَبِيٌّ، فَقَالَا: هَذَا أَخُونَا. فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُلْحِقُ بِأَبِيكُمَا مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ. وَلَنَا، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ وَلِيدَةِ أَبِيهِ، وَقَالَ: هَذَا أَخِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي. فَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ، وَأَثْبُتَ النَّسَبَ بِهِ

وَلِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ مَوْرُوثِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِهِ مَا يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمَوْرُوثِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَغَيْرِهِ، كَذَا النَّسَبُ، وَلِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمَوْرُوثَ فِي حُقُوقِهِ، وَهَذَا مِنْهَا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ دَفْعِ مِيرَاثِهِ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ يُسْقِطُ الْمُقِرَّ، كَأَخٍ يُقِرُّ بِابْنٍ، أَوْ ابْنِ ابْنٍ، أَوْ أَخٍ مِنْ أَبٍ يُقِرُّ بِأَخٍ مِنْ أَبَوَيْنِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ أَثْبَتِ النَّسَبَ، وَلَمْ يُوَرِّثْهُ؛ لِئَلَّا يَكُونَ إقْرَارًا مِنْ غَيْرِ وَارِثٍ، فَثُبُوتُ مِيرَاثِهِ يُفْضِي إلَى سُقُوطِ نَسَبِهِ وَمِيرَاثِهِ

وَلَنَا، أَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْ كُلِّ الْوَرَثَةِ، يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ بِمَنْ يَرِثُ، لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَرِثَ، كَمَا لَوْ لَمْ يُسْقِطْهُ، وَلِأَنَّهُ ابْنٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، لَمْ يَمْنَعْ إرْثَهُ مَانِعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِكَوْنِهِ وَارِثًا حَالَةَ الْإِقْرَارِ، أَوْ بِكَوْنِهِ وَارِثًا لَوْلَا الْإِقْرَارُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ الْحَالُ الثَّانِي، لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>