عَدَالَتَهُمَا بِمَا يَسُوغُ مَعَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا، أَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِعَدَالَتِهِمَا فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا فَقَضَى بِهَا عَلَى الْغَائِبِ، جَعَلَ كُلَّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ، قَدْ قَدِمَ، وَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ زَادَ: وَقَدِمَ الْغَائِبُ الْمُقَرُّ لَهُ بِهَا فُلَانٌ وَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ تَدْفَعُ الْمُدَّعِيَ عَنْ دَعْوَاهُ. وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ حُضُورِهِ بَيِّنَةً، زَادَ: وَأَقَامَ بَيِّنَةً. وَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي مُقَدَّمَةً عَلَى بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةُ خَارِجٍ.
[فَصْل إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ أَنْ أَبَاهُ مَاتَ وَخَلَّفَهُ وَأَخًا لَهُ غَائِبًا وَتَرَكَ دَارًا فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ]
(٨٥٣٥) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَى إنْسَانٌ أَنْ أَبَاهُ مَاتَ وَخَلَّفَهُ وَأَخًا لَهُ غَائِبًا، وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُمَا، وَتَرَكَ دَارًا فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ، فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ، ثَبَتَتْ الدَّارُ لِلْمَيِّتِ، وَانْتُزِعَتْ الدَّارُ مِنْ يَدِ الْمُنْكِرِ، وَدُفِعَ نِصْفُهَا إلَى الْمُدَّعِي، وَجُعِلَ النِّصْفُ الْآخَرُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِلْغَائِبِ، يَكْرِيه لَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ، أَوْ مِمَّا يَنْحَفِظُ وَلَا يُخَافُ هَلَاكُهُ، لَمْ يُنْزَعْ نَصِيبُ الْغَائِبِ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَدَّعِهِ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ، فَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى الْمُدَّعِي نَصِيبُهُ، وَلَا يُنْزَعُ نَصِيبُ الْغَائِبِ، كَذَا هَاهُنَا.
وَلَنَا أَنَّهَا تَرِكَةُ مَيِّتٍ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْزَعَ نَصِيبُ الْغَائِبِ، كَالْمَنْقُولِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ أَخُوهُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَلِأَنَّ فِيمَا قَالَهُ ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْغَائِبِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَقَدْ يَمُوتُ الشَّاهِدَانِ أَوْ يَغِيبَا، أَوْ تَزُولُ عَنْهُمَا عَدَالَتُهُمَا، وَيُعْزَلُ الْحَاكِمُ، فَيَضِيعُ حَقُّهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْفَظَ بِانْتِزَاعِهِ، كَالْمَنْقُولِ. وَيُفَارِقُ الشَّرِيكَ الْأَجْنَبِيَّ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا؛ أَمَّا الْإِجْمَالُ، فَإِنَّ الْمَنْقُولَ يُنْتَزَعُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فِي الْمِيرَاثِ، وَلَا يُنْتَزَعُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ ثَبَتَ بِهَا الْحَقُّ لِلْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْضِي مِنْهُ دُيُونَهُ، وَتَنْفُذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ، وَلِأَنَّ الْأَخَ يُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَهُ، إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْبَاقِي. فَأَمَّا إنْ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّة إنْسَانٍ، فَهَلْ يَقْبِضُ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَقْبِضُ، كَمَا يَقْبِضُ الْعَيْنَ. وَالثَّانِي، لَا يَقْبِضُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَانَ أَحْوَطَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْأَمِينِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّلَفُ إذَا قَبَضَهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ أَيْضًا يَعْرِضُ لِلتَّلَفِ بِالْفَلَسِ، وَالْمَوْتِ، وَعَزْلِ الْحَاكِمِ، وَتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّنَا إنْ دَفَعْنَا إلَى الْحَاضِرِ نِصْفَ الدَّارِ أَوْ الدَّيْنِ، لَمْ نُطَالِبهُ بِضَمِينِ؛ لِأَنَّنَا دَفَعْنَاهُ بِقَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute