للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة خَلْفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَادَّعَى الْكَافِرُ أَنْ أَبَاهُ مَاتَ كَافِرًا]

(٨٥٤٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَخَلَفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنْ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا، وَادَّعَى الْكَافِرُ أَنْ أَبَاهُ مَاتَ كَافِرًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَافِرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ بِاعْتِرَافِهِ بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ، يَعْتَرِفُ بِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ كَافِرًا، مُدَّعِيًا لِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بِأُخُوَّتِهِ، كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِتَسَاوِي أَيْدِيهِمَا وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ دِينُهُ، وَخَلَّفَ تَرِكَةً وَابْنَيْنِ، يَعْتَرِفَانِ أَنَّهُ أَبُوهُمَا، أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ، وَالْآخَرُ كَافِرٌ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ، وَأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ أَخِيهِ، فَالْمِيرَاثُ لِلْكَافِرِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُسْلِمِ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ كَوْنَ الْمَيِّتِ مُسْلِمًا أَصْلِيًّا فَيَجِبَ كَوْنُ أَوْلَادِهِ مُسْلِمِينَ، وَيَكُونَ أَخُوهُ الْكَافِرُ مُرْتَدًّا، وَهَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أَوْ يَقُولَ إنَّ أَبَاهُ كَانَ كَافِرًا، فَأَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَا قَالَهُ أَخُوهُ، مُدَّعٍ زَوَالَهُ وَانْتِقَالَهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، حَتَّى يَثْبُتَ زَوَالُهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: إنَّ الْمُسْلِمَ بِاعْتِرَافِهِ بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ مُعْتَرِفٌ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ كَافِرًا، مُدَّعِيًا لِإِسْلَامِهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُمَا فِي الدَّعْوَى سَوَاءٌ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا فِي أَيْدِيهِمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ، يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، وَيَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ فِيهَا، إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ، حُكْمُ الْإِسْلَامِ؛ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَدَفْنِهِ، وَتَكْفِينِهِ مِنْ الْوَقْفِ الْمَوْقُوفِ عَلَى أَكْفَانِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فِي تَغْسِيلِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَدَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، فَكَذَلِكَ فِي مِيرَاثِهِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخُوهُ الْكَافِرُ مُرْتَدًّا، لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ رِدَّتُهُ وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى الْإِمَامِ خَبَرُهُ، وَظُهُورُ الْإِسْلَامِ بِنَاءً عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مِنْ ظُهُورِ الْكُفْرِ بِنَاءً عَلَى كُفْرِ أَبِيهِ، وَلِهَذَا جَعَلَ الشَّرْعُ أَحْكَامَهُ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، فِيمَا عَدَا الْمُتَنَازَعَ فِيهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّا نَنْظُرُ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي أَيْدِيهِمَا، قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ، حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا. وَيَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَرِفُ أَنَّ هَذِهِ التَّرِكَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>