[مَسْأَلَةٌ لَا تُؤْخَذ الْجِزْيَة مِنْ شَيْخٍ فَانٍ وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى]
(٧٦٦١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا شَيْخٍ فَانٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ بِهِ دَاءٌ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْقِتَالَ، وَلَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ بِنَاءً عَلَى قَتْلِهِمْ. وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُنَا فِي أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ]
(٧٦٦٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا عَلَى سَيِّدِ عَبْدٍ عَنْ عَبْدِهِ، إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا لَا خِلَافَ فِي هَذَا نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَلِأَنَّ مَا لَزِمَ الْعَبْدَ إنَّمَا يُؤَدِّيه سَيِّدُهُ، فَيُؤَدِّي إيجَابُهُ عَلَى عَبْدِ الْمُسْلِمِ إلَى إيجَابِ الْجِزْيَةِ عَلَى مُسْلِمٍ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لِكَافِرٍ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ. وَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ، فَأَشْبَهَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، أَوْ لَا مَالَ لَهُ، فَأَشْبَهَ الْفَقِيرَ الْعَاجِزَ. وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ إيجَابَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهَا سَيِّدُهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَشْتَرُوا رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ خَرَاجٍ، يَبِيعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يُقِرَّنَّ أَحَدُكُمْ بِالصَّغَارِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ الْجِزْيَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اشْتَرَاهُ سَقَطَ عَنْهُ أَدَاءُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَالذِّمِّيُّ يُؤَدِّي عَنْهُ وَعَنْ مَمْلُوكِهِ خَرَاجَ جَمَاجِمِهِمْ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ حَدِيثِ عُمَرَ. وَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ مُكَلَّفٌ قَوِيٌّ مُكْتَسِبٌ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، كَالْحُرِّ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
[فَصْلٌ تُؤْخَذ جِزْيَة مَنْ بَعْضه حُرٌّ]
(٧٦٦٣) فَصْلٌ: وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْجِزْيَةِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَجَزَّأُ، يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ كَالْإِرْثِ.
[فَصْلٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الصَّوَامِعِ مِنْ الرُّهْبَانِ]
(٧٦٦٤) فَصْلٌ: وَلَا جِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الصَّوَامِعِ مِنْ الرُّهْبَانِ. وَيَحْتَمِلُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ الْجِزْيَةَ عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عُمُومُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute