الزَّانِيَيْنِ رَقِيقًا، وَالْآخَرُ حُرًّا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدُّهُ. وَلَوْ زَنَى بِكْرٌ بِثَيِّبٍ، حُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا تَلْزَمُهُ عُقُوبَةُ جِنَايَتِهِ. وَلَوْ زَنَى بَعْدَ الْعِتْقِ، وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُ زَنَى وَهُوَ حُرٌّ. وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الرَّقِيقِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِحُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ عُلِمَتْ بَعْدُ تُمِّمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَحْرَارِ. وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنْ عَبْدِهِ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا الْحَسَنَ، قَالَ: يَصِحُّ عَفْوُهُ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ سَيِّدِهِ، كَالْعِبَادَاتِ، وَكَالْحُرِّ إذَا عَفَا عَنْهُ الْإِمَامُ.
[فَصْلٌ هَلْ لِلسَّيِّدِ إقَامَة الْحَدّ بِالْجِلْدِ عَلَى رَقِيقَة الْقَنِ]
(٧١٥٣) فَصْلٌ: وَلِلسَّيِّدِ إقَامَةُ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أُسَيْدَ السَّاعِدِيَّيْنِ، وَفَاطِمَةَ ابْنَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَهُبَيْرَةَ بْنِ مَرْيَمَ، وَأَبِي مَيْسَرَةَ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: أَدْرَكْت بَقَايَا الْأَنْصَارِ يَجْلِدُونَ وَلَائِدَهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ الْحُدُودَ إذَا زَنَوْا. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ حَدَتَ جَارِيَةٌ لَهَا زَنَتْ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، أَنَّ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ كَانَا يُقِيمَانِ الْحُدُودَ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ خَدَمِ عَشَائِرِهِمْ. رَوَى ذَلِكَ سَعِيدٌ، فِي " سُنَنِهِ ".
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ إلَى السُّلْطَانِ، وَلِأَنَّ مِنْ لَا يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْحُرِّ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْعَبْدِ، كَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَيُعْتَبَرُ لِذَلِكَ شُرُوطٌ، مِنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ، وَمَجِيئِهِمْ مُجْتَمِعِينَ، أَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَذِكْرِ حَقِيقَةِ الزِّنَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى فَقِيهٍ يَعْرِفُهَا، وَيَعْرِفُ الْخِلَافَ فِيهَا، وَالصَّوَابَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوَّضَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، كَحَدِّ الْأَحْرَارِ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيُفَوَّضُ إلَى الْإِمَامِ، كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَلَنَا مَا رَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَيَقَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ بِهَا، فَإِنْ عَادَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ بِهَا، فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ بِهَا، فَإِنْ عَادَتْ الرَّابِعَةَ، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute