قَتْلِ الشُّيُوخِ يُسْتَثْنَى بِهَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] . وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا نَفْعَ فِي حَيَاتِهِ، فَيُقْتَلُ كَالشَّابِّ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا امْرَأَةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فِي سُنَنِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَصَّى يَزِيدَ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الشَّامِ، فَقَالَ: لَا تَقْتُلْ صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا هَرِمًا.
وَعَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ وَصَّى سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ: لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا شَيْخًا هَرِمًا. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَلَا يُقْتَلْ، كَالْمَرْأَةِ. وَقَدْ أَوْمَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي الْمَرْأَةِ، فَقَالَ: «مَا بَالُ هَذِهِ قُتِلَتْ، وَهِيَ لَا تُقَاتِلُ» . وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ عُمُومِهَا الْمَرْأَةُ، وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ فِي مَعْنَاهَا، فَنَقِيسُهُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُهُمْ، فَأَرَادَ بِهِ الشُّيُوخَ الَّذِينَ فِيهِمْ قُوَّةٌ عَلَى الْقِتَالِ، أَوْ مَعُونَةٌ عَلَيْهِ، بِرَأْيِ أَوْ تَدْبِيرٍ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ أَحَادِيثَنَا خَاصَّةٌ فِي الْهَرِمِ، وَحَدِيثَهُمْ عَامٌّ فِي الشُّيُوخِ كُلِّهِمْ، وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ، وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالْعَجُوزِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا.
[فَصْلٌ لَا يُقْتَلُ زَمِنٌ وَلَا أَعْمَى وَلَا رَاهِبٌ فِي دَار الْحَرْب]
(٧٦١٢) فَصْلٌ: وَلَا يُقْتَلُ زَمِنٌ وَلَا أَعْمَى وَلَا رَاهِبٌ، وَالْخِلَافُ فِيهِمْ كَالْخِلَافِ فِي الشَّيْخِ، وَحُجَّتُهُمْ هَا هُنَا حُجَّتُهُمْ فِيهِ. وَلَنَا، فِي الزَّمِنِ وَالْأَعْمَى، أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَأَشْبَهَا الْمَرْأَةَ، وَفِي الرَّاهِبِ، مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «وَسَتَمُرُّونَ عَلَى أَقْوَامٍ فِي الصَّوَامِعِ، قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعُوهُمْ حَتَّى يُمِيتَهُمْ اللَّهُ عَلَى ضَلَالِهِمْ» . وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ تَدَيُّنًا، فَأَشْبَهُوا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ.
[فَصْلٌ لَا يُقْتَلُ الْعَبِيدُ فِي دَار الْحَرْب]
(٧٦١٣) فَصْلٌ: وَلَا يُقْتَلُ الْعَبِيدُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدْرِكُوا خَالِدًا، فَمُرُوهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا» . وَهُمْ الْعَبِيدُ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ رَقِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ بِنَفْسِ السَّبْيِ، فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ.
[فَصْلٌ جَازَ قَتْلُ أَصْحَابِ الْعَاهَاتِ إذَا كَانَ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْب]
(٧٦١٤) فَصْلٌ: وَمَنْ قَاتَلَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا جَمِيعِهِمْ، جَازَ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَتَلَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ امْرَأَةً أَلْقَتْ رَحًى عَلَى مَحْمُودِ بْنِ سَلَمَةَ» . وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الْمَذْكُورِينَ ذَا رَأْيٍ يُعِينُ بِهِ فِي الْحَرْبِ، جَازَ قَتْلُهُ «؛ لِأَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ شَيْخٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، وَكَانُوا خَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ، يَتَيَمَّنُونَ بِهِ، وَيَسْتَعِينُونَ بِرَأْيِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَهُ.» وَلِأَنَّ الرَّأْيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعُونَةِ فِي الْحَرْبِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ وَالْأَسْوَدِ: أَمْدَدْتُمَا عَلِيًّا بِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَبِرَأْيِهِ وَمُكَايَدَتِهِ، فَوَاَللَّهِ لَوْ أَنَّكُمَا أَمْدَدْتُمَاهُ بِثَمَانِيَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، مَا كَانَ بِأَغْيَظَ لِي مِنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute