وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُمْ إنْ طَلَبُوهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبُوهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقَمْ حَتَّى طَلَبَهُ الْكُلُّ، فَحَدٌّ وَاحِدٌ وَإِنْ طَلَبَهُ وَاحِدٌ، فَأُقِيمَ لَهُ، ثُمَّ طَلَبَهُ آخَرُ أُقِيمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى طَلَبِهِ، وَقَعَ اسْتِيفَاؤُهُ بِجَمِيعِهِمْ، وَإِذَا طَلَبَهُ وَاحِدٌ مُنْفَرِدًا كَانَ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُ وَحْدَهُ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْبَاقِينَ بِغَيْرِ اسْتِيفَائِهِمْ وَلَا إسْقَاطِهِمْ.
[فَصْلٌ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَاتٍ]
(٧٢٤٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَاتٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ حَمَّادٌ، وَمَالِكٌ: لَا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ تُوجِبُ حَدًّا، فَإِذَا تَكَرَّرَتْ كَفَى حَدٌّ وَاحِدٌ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ، أَوْ زَنَى بِنِسَاءٍ، أَوْ شَرِبَ أَنْوَاعًا مِنْ الْمُسْكِرِ. وَلَنَا أَنَّهَا حُقُوقٌ لِآدَمِيِّينَ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ. وَفَارَقَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
[فَصْلٌ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ]
(٧٢٤٤) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ. فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ، ثَبَتَ الْحَقُّ لِوَلَدِهِمَا، وَلَمْ يَجِبْ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ قَالَ: يَا زَانِي ابْنَ الزَّانِي. فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا بِكَلِمَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدٌّ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَالظَّاهِرُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَإِنْ قَالَ: يَا زَانِي ابْنَ الزَّانِيَةِ. وَكَانَتْ أُمُّهُ فِي الْحَيَاةِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، فَالْقَذْفَانِ جَمِيعًا لَهُ. وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ. فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: يَا نَاكِحَ أُمِّهِ. وَيُخَرَّجُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
[فَصْلٌ قَذَفَ رَجُلًا مَرَّاتٍ]
(٧٢٤٥) فَصْلٌ: وَإِنْ قَذَفَ رَجُلًا مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُحَدَّ، فَحَدٌّ وَاحِدٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ قَذَفَهُ بِزِنًا وَاحِدٍ، أَوْ بِزَنْيَاتٍ. وَإِنْ قَذَفَهُ فَحُدَّ، ثُمَّ أَعَادَ قَذْفَهُ، نَظَرْت، فَإِنْ قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا الَّذِي حُدَّ مِنْ أَجْلِهِ، لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ أَوْجَبَ حَدًّا ثَانِيًا. وَهَذَا يُخَالِفُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ لَمَّا حُدَّ بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ، أَعَادَ قَذْفَهُ فَلَمْ يَرَوْا عَلَيْهِ حَدًّا ثَانِيًا، فَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ظَبْيَانَ بْنِ عُمَارَةَ، قَالَ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ أَنَّهُ زَانٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَكَبُرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: شَاطَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَجَاءَ زِيَادٌ، فَقَالَ: مَا عِنْدَك؟ فَلَمْ يَثْبُتْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَجُلِدُوا، وَقَالَ: شُهُودُ زُورٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَلَيْسَ تَرْضَى أَنْ أَتَاك رَجُلٌ عَدْلٌ يَشْهَدُ بِرَجْمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ. فَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ الْجَلْدَ، فَقَالَ عَلِيٌّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute