وَلَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا، كَذَلِكَ يَصِحُّ وَقْفُهُ، كَالدَّارِ جَمِيعِهَا، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ إلَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِقْرَارِ وَالتَّصَرُّفِ، فَجَازَ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالْبَيْعِ.
[فَصْلٌ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَلَمْ يَذْكُر الِاسْتِطْرَاقَ]
(٤٣٨٠) فَصْلٌ: وَإِنْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِطْرَاقَ، صَحَّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَ الِاسْتِطْرَاقَ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدٌ يُبِيحُ الِانْتِفَاعَ، مِنْ ضَرُورَتِهِ الِاسْتِطْرَاقُ، فَصَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِطْرَاقَ، كَمَا لَوْ أَجَرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ.
[فَصْلٌ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ]
(٤٣٨١) فَصْلٌ: إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى وَلَدِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا، لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ لِلَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِذَا وَقَفَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَا أَعْرِفُهُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ بَاطِلًا. وَهَلْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ مَالَ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا حَاصِلُهُ مَنْعُ نَفْسِهِ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَةِ الْمِلْكِ، فَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ بِأَنْ يَقُولَ: لَا أَبِيعُ هَذَا وَلَا أَهَبُهُ وَلَا أُوَرِّثُهُ
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَابْنِ سُرَيْجٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفًا عَامًّا فَيَنْتَفِعَ بِهِ، كَذَلِكَ إذَا خَصَّ نَفْسَهُ بِانْتِفَاعِهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ.
[مَسْأَلَة وَقَفَ عَلَى قَوْمٍ وَأَوْلَادِهِمْ وَعَقِبِهِمْ وَنَسْلِهِمْ]
(٤٣٨٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْبَاقِي عَلَى مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَأَوْلَادُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فُصُولٌ أَرْبَعَةٌ: (٤٣٨٣) الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى قَوْمٍ وَأَوْلَادِهِمْ وَعَقِبِهِمْ وَنَسْلِهِمْ، كَانَ الْوَقْفُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَمَنْ حَدَثَ مِنْ نَسْلِهِمْ، عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، إنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي تَرْتِيبًا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا اشْتَرَكُوا، وَلَمْ يُقَدَّمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُشَارِكُ الْآخَرُ الْأَوَّلَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَطْنِ الْعَاشِرِ، وَإِذَا حَدَثَ حَمْلٌ لَمْ يُشَارِكْ حَتَّى يَنْفَصِلَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَمْلًا، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute