وَلَنَا، أَنَّهُ مَحَلٌّ يَحْرُمُ أَخْذُ عِوَضِهِ لِخُبْثِهِ، فَلَمْ يَجِبْ غُرْمُهُ بِإِتْلَافِهِ، كَالْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ إتْلَافُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ. وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّرَرِ وَالْإِضْرَارِ.
[فَصْلٌ قَتْلُ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ]
فَصْلٌ: فَأَمَّا قَتْلُ مَا لَا يُبَاحُ إمْسَاكُهُ، فَإِنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ يُبَاحُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: سَأَلْت أَبَا ذَرٍّ فَقُلْت: «مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ مِنْ الْأَبْيَضِ؟ فَقَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْت بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ» . وَيُبَاحُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا؛ لِلْخَبَرَيْنِ. وَعَلَى قِيَاسِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، كُلُّ مَا آذَى النَّاسَ، وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَأَمْوَالِهِمْ، يُبَاحُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي بِلَا نَفْعٍ، أَشْبَهَ الذِّئْبَ، وَمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدُمُ مِنْ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَتَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
[فَصْلٌ اقْتِنَاء الْكَلْب]
(٣١٥٨) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ، إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ، أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ حَرْثٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» . قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِنْ اقْتَنَاهُ لِحِفْظِ الْبُيُوتِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِلْخَبَرِ. وَيَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهَا، يُبِيحُ مَا يَتَنَاوَلُ الْخَبَرُ تَحْرِيمَهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَاهَا، فَقَدْ يَحْتَالُ اللِّصُّ لِإِخْرَاجِهِ بِشَيْءِ يُطْعِمُهُ إيَّاهُ، ثُمَّ يَسْرِقُ الْمَتَاعَ. وَأَمَّا الذِّئْبُ، فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ فِي الْبُيُوتِ يُؤْذِي الْمَارَّةَ، بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ.
[فَصْلٌ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الصَّغِيرِ]
(٣١٥٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الصَّغِيرِ لِأَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَيَجُوزُ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute