للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُبَادَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: «الْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» . فَأَمَرَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْمَوْزُونَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوَزْنِ، كَمَا أَمَرَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْمَكِيلَاتِ فِي الْكَيْلِ، وَمَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ مَقِيسٌ عَلَيْهِمَا وَمُشَبَّهٌ بِهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ جُزَافًا كَالْمَكِيلِ، وَلِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا، فَأَشْبَهَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَضْلِ مُبْطِلَةٌ لِلْبَيْعِ، وَلَا نَعْلَمُ عَدَمَ ذَلِكَ إلَّا بِالْوَزْنِ، فَوَجَبَ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْمَكِيلِ وَالْأَثْمَانِ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ وَزْنًا، وَلَا بَيْعُ الْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ كَيْلًا؛ لِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِي الْكَيْلِ مُشْتَرَطٌ فِي الْمَكِيلِ، وَفِي الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ، فَمَتَى بَاعَ رِطْلًا مِنْ الْمَكِيلِ بِرِطْلٍ حَصَلَ فِي الرِّطْلِ مِنْ الْخَفِيفِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ الثَّقِيلِ، فَيَخْتَلِفَانِ فِي الْكَيْلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْفَضْلَ، لَكِنْ يَجْهَلُ التَّسَاوِي، فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِالْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمَاثُلُ فِي الْوَزْنِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَكِيلِ.

[فَصْلٌ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ جُزَافًا]

(٢٨٠٩) فَصْلٌ: وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا أَوْ كَانَ جُزَافًا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ إذَا كَانَا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ، لَا يُعْلَمُ مَكِيلُهَا، بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ» .

وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» إلَى تَمَامِ الْحَدِيثِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ التَّمَاثُلَ شَرْطٌ، وَالْجَهْلُ بِهِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ، كَحَقِيقَةِ التَّفَاضُلِ (٢٨١٠) فَصْلٌ: وَمَا لَا يُشْتَرَطُ التَّمَاثُلُ فِيهِ كَالْجِنْسَيْنِ، وَمَا لَا رِبَا فِيهِ، يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِتَخْصِيصِهِ مَا يُكَالُ بِمَنْعِ بَيْعِهِ بِشَيْءِ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا، وَمَا يُوزَنُ بِمَنْعِ بَيْعِهِ مِنْ جِنْسِهِ كَيْلًا.

وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ، لَا يُدْرَى كَمْ كَيْلُ هَذِهِ، وَلَا كَيْلُ هَذِهِ، مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ صِنْفَيْنِ؛ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» . وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى مَنْعِ بَيْعِ الْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ جُزَافًا، وَبَيْعِ الْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ جُزَافًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>