للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ]

(٧٦٣٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ، أَوْ لِسَيِّدِهِ، لَمْ يُقْطَعْ) يَعْنِي إذَا كَانَ السَّارِقُ بَعْضَ الْغَانِمِينَ، أَوْ أَبَاهُ، أَوْ سَيِّدَهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً وَهُوَ حَقُّهُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قَطْعِهِ، لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَهَكَذَا إنْ كَانَ لِابْنِهِ وَإِنْ عَلَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.

وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِيهَا حَقٌّ لَمْ يُقْطَعْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِمْ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِيهَا حَقٌّ فَسَرَقَ مِنْهَا الْآخِرُ، لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذَا

[فَصْلٌ السَّارِقُ مِنْ الْغَنِيمَةِ غَيْرُ الْغَالِّ]

(٧٦٣٤) فَصْلٌ: وَالسَّارِقُ مِنْ الْغَنِيمَةِ غَيْرُ الْغَالِّ، فَلَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي إحْرَاقِ رَحْلِهِ، وَلَا يَجْرِي الْغَالُّ مَجْرَى السَّارِقِ فِي قَطْعِ يَدِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ السَّارِقَ يُحْرَقُ رَحْلُهُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَالِّ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَجَبَ أَنْ يُشْرَعَ فِي حَقِّهِ عُقُوبَةٌ أُخْرَى، كَسَارِقِ الثَّمَرِ يَغْرَمُ مِثْلَيْ مَا سَرَقَ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَالِّ حَقِيقَةً، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْغُلُولَ يَكْثُرُ، لِكَوْنِهِ أَخْذَ مَالٍ لَا حَافِظَ لَهُ، وَلَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا فَيَحْتَاجُ إلَى زَاجِرٍ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّرِقَةُ، فَإِنَّهَا أَخْذُ مَالٍ مَحْفُوظٍ، فَالْحَاجَةُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ أَقَلُّ.

[مَسْأَلَةٌ وَطِئَ جَارِيَةً قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الْغَنِيمَة]

(٧٦٣٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، أُدِّبَ، وَلَمْ يُبْلَغْ بِهِ حَدُّ الزَّانِي، وَأُخِذَ مِنْهُ مَهْرُ مِثْلِهَا، فَطُرِحَ فِي الْمَقْسَمِ، إلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ، فَتَكُونَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا) . يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَاطِئُ مِنْ الْغَانِمِينَ، أَوْ مِمَّنْ لِوَلَدِهِ فِيهَا حَقٌّ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُت لِلْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ، فَيَكُونُ لِلْوَاطِئِ حَقٌّ فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، فَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ.

وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهِ الْحَدُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] وَهَذَا زَانٍ، وَلِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، فَلَزِمَهُ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كُلُّ مَنْ سَلَفَ مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ، مِائَةُ جَلْدَةٍ، وَمَنَعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْأَخْبَارِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ قَالَ: أَسْقَطْت حَقِّي. سَقَطَ، وَلَوْ ثَبَتَ مِلْكُهُ، لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ، كَالْوَارِثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>