حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك. وَنَحْوُهُ، فَلَهَا الْخِيَارُ عَلَى التَّرَاخِي؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خِيَارَهَا لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ. وَإِنْ قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ، وَاخْتَارِي نَفْسَك غَدًا. فَرَدَّتْهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَبْطُلْ فِي الثَّانِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَبْطُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ فِي زَمَنَيْنِ، فَلَمْ يَبْطُلْ أَحَدُهُمَا بِرَدِّ الْآخِرِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ، فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ أَوَّلُهُ بَطَلَ مَا بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَكَخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا خِيَارَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ خِيَارٌ وَاحِدٌ فِي يَوْمَيْنِ، وَفَارَقَ مَا إذَا قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ، وَاخْتَارِي نَفْسك غَدًا. فَإِنَّهُمَا خِيَارَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ثَبَتَ بِسَبَبٍ مُفْرَدٍ. وَلَوْ خَيَّرَهَا شَهْرًا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْخِيَارُ. وَلَنَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَا جَعَلَ لَهَا فِي هَذَا الْعَقْدِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا فِي عَقْدٍ ثَانٍ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي سِلْعَةٍ مُدَّةً، ثُمَّ فَسَخَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. وَلَوْ لَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا، أَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ سِوَاهُ، كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَالْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك. فِي هَذَا كُلِّهِ، كَالْحُكْمِ فِي التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَخْيِيرٍ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك، الْيَوْمَ وَبَعْدَ الْغَدِ، فَرَدَّتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَبْطُلْ بَعْدُ فِي غَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَبْطُلْ أَحَدُهُمَا بِبُطْلَانِ الْآخِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّمَانُ مُتَّصِلًا وَاللَّفْظُ وَاحِدًا، فَإِنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ، فَبَطَلَ كُلُّهُ بِبُطْلَانِ بَعْضِهِ. وَإِنْ قَالَ: لَك الْخِيَارُ يَوْمًا. أَوْ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا. فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينَ نَطَقَ بِهِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِكْمَالُ يَوْمٍ بِتَمَامِهِ إلَّا بِذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ شَهْرًا. فَمِنْ سَاعَةِ نَطَقَ إلَى اسْتِكْمَالِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ. وَإِنْ قَالَ: الشَّهْرَ. أَوْ الْيَوْمَ. أَوْ السَّنَةَ. فَهُوَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ اخْتَارِي مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت فِي الطَّلَاقِ]
(٥٨٩١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لَفْظَةَ التَّخْيِيرِ لَا تَقْتَضِي بِمُطْلَقِهَا أَكْثَرَ مِنْ تَطْلِيقَةٍ رَجْعِيَّةٍ. قَالَ أَحْمَدُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُمَرَ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنٌ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا يَقْتَضِي زَوَالَ سُلْطَانِهِ عَنْهَا، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَيْنُونَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَا تَبِينُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ. وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْهُمْ قَالُوا: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute