السَّهْوُ مِنْ جِنْسَيْنِ، فَكَذَلِكَ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلًا لِأَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، مَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي، يَسْجُدُ سُجُودَيْنِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: إذَا كَانَ عَلَيْهِ سُجُودَانِ، أَحَدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ. وَالْآخَرُ بَعْدَهُ، سَجَدَهُمَا فِي مَحِلَّيْهِمَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهَذَانِ سَهْوَانِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَجْدَتَانِ، وَلِأَنَّ كُلَّ سَهْوٍ يَقْتَضِي سُجُودًا، وَإِنَّمَا تَدَاخَلَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِاتِّفَاقِهِمَا، وَهَذَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُ السَّهْوَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا فَسَلَّمَ، وَتَكَلَّمَ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَسَجَدَ لَهُمَا سُجُودًا وَاحِدًا، وَلِأَنَّ السُّجُودَ أُخِّرَ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، لِيَجْمَعَ السَّهْوَ كُلَّهُ وَإِلَّا فَعَلَهُ عَقِيبَ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْجَبْرِ فَجَبَرَ نَقْصَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَثُرَ، بِدَلِيلِ السَّهْوِ مَرَّاتٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا انْجَبَرَتْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَابِرٍ آخَرَ فَنَقُولُ: سَهْوَانِ. فَأَجْزَأَ عَنْهُمَا سُجُودٌ وَاحِدٌ، كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ.
وَقَوْلُهُ: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ لِكُلِّ سَهْوٍ فِي صَلَاةٍ، وَالسَّهْوُ وَإِنْ كَثُرَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي لَفْظِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» بَعْدَ السَّلَامِ " هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ السَّلَامِ سُجُودَانِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ مَعْنَى الْجِنْسَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا. قَبْلَ السَّلَامِ، وَالْآخَرُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَحِلَّيْهِمَا مُخْتَلِفَانِ، وَكَذَلِكَ سَبَبَاهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْجِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَقْصٍ، وَالْآخَرُ مِنْ زِيَادَةٍ وَالْأَوْلَى مَا قُلْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَعَلَى هَذَا إذَا اجْتَمَعَا، سَجَدَ لَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَآكَدُ، وَلِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ قَدْ وَجَبَ لِوُجُوبِ سَبَبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ مَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ آخَرُ، وَإِذَا سَجَدَ لَهُ، سَقَطَ الثَّانِي؛ لِإِغْنَاءِ الْأَوَّلِ عَنْهُ، وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ
[فَصْلٌ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ]
(٩٢٧) فَصْلٌ: وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ، وَقُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَسَهَا فِيمَا انْفَرَدَ فِيهِ، وَسَهَا إمَامُهُ فِيمَا تَابَعَهُ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَنْتَهِي قَبْلَ صَلَاةِ إمَامِهِ فَعَلَى قَوْلِنَا هُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ مَحِلُّهُمَا وَاحِدًا، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْجِنْسَيْنِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، يَحْتَمِلُ كَوْنَهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَهَكَذَا لَوْ صَلَّى مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً وَدَخَلَ مَعَ مُسَافِرٍ، فَنَوَى مُتَابَعَتَهُ، فَلَمَّا سَلَّمَ إمَامُهُ قَامَ لِيُتِمَّ مَا عَلَيْهِ، فَقَدْ حَصَلَ مَأْمُومًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute