وَلَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، فَلَا تَتْبَعُ هَاهُنَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهَا لِلْأَبِ. وَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَلَدَ أَمَةٍ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ، مُنِعَ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ، إلَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ لِلْأَبِ، فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ، وَيَتَمَلَّكُ الْوَالِدُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ.
[فَصْلٌ إنْ قَصَرَ الْعَيْنَ أَوْ فَصَّلَهَا فَلَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا لَمْ تَمْنَعْ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ]
(٤٤٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ قَصَّرَ الْعَيْنَ أَوْ فَصَّلَهَا، فَلَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا، لَمْ تَمْنَع الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَزِدْ وَلَا الْقِيمَةُ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا، فَهِيَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، هَلْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ أَوْ لَا؟ يُبْنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي السِّمْنَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَمْنَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الرُّجُوعَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ بِفِعْلِ الِابْنِ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْعَيْنِ الْحَاصِلَةِ بِفِعْلِهِ، بِخِلَافِ السِّمَنِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَبِ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ الْعَيْنِ، فَيَكُونُ تَابِعًا لَهَا
وَإِنْ وَهَبَهُ حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الِابْنِ، فَهِيَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ فِي الْوَلَدِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً إذَا قُلْنَا: الْحَمْلُ لَا حُكْمَ لَهُ. وَإِنْ وَهَبَهُ حَامِلًا، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا حَامِلًا، جَازَ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا، فَهِيَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَإِنْ وَهَبْتَهُ حَائِلًا فَحَمَلَتْ، فَهِيَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا دُونَ حَمْلِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْحَمْلَ لَا حُكْمَ لَهُ، فَزَادَتْ بِهِ قِيمَتُهَا، فَهِيَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ
وَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا، جَازَ الرُّجُوعُ فِيهَا. وَإِنْ وَهَبَهُ نَخْلًا فَحَمَلَتْ، فَهِيَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَبَعْدَهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ.
[فَصْلٌ تَلِفَ بَعْضُ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا]
(٤٤٧٢) فَصْلٌ: وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْعَيْنِ، أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا، لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ فِيهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنِ فِيمَا تَلِفَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ عَلَى مِلْكِهِ. وَسَوَاءٌ تَلِفَ بِفِعْلِ الِابْنِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ. وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ، فَهُوَ كَنُقْصَانِهِ بِذَهَابِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ، وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ فِيهِ، ضَمِنَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ. وَإِنْ جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ، فَرَجَعَ الْأَبُ فَيَرْجِعُ الْأَبُ فِيهِ، فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِلِابْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ الرُّجُوعَ فِي الرَّهْنِ، وَعَلَيْهِ فِكَاكُهُ، لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ مَلَكَ الرُّجُوعَ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَدَّى أَرْشَ جِنَايَتِهِ؟ قُلْنَا: الرَّهْنُ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّ فَكَّ الرَّهْنِ فَسْخٌ لِعَقْدٍ عَقَدَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَهَا هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الْحَقُّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ، فَافْتَرَقَا.
[فَصْلٌ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ]
(٤٤٧٣) فَصْلٌ: وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ أَنْ يَقُولَ قَدْ رَجَعْت فِيهَا، أَوْ ارْتَجَعْتهَا، أَوْ ارْتَدَدْتَهَا. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُسْتَقِرٌّ.