فَيَرْغَبَ النَّاسُ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَأَدَانُوهُ دُيُونًا، أَوْ رَغِبُوا فِي مُنَاكَحَتِهِ، فَزَوَّجُوهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ تَزَوَّجَتْ الْأُنْثَى لِذَلِكَ، فَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ أُولَاهُمَا، لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ
قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، فِي الرَّجُلِ يَهَبُ لِابْنِهِ مَالًا: فَلَهُ الرُّجُوعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرَّ بِهِ قَوْمًا، فَإِنْ غَرَّ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الِابْنِ، فَفِي الرُّجُوعِ إبْطَالُ حَقِّهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَفِي الرُّجُوعِ ضَرَرٌ، وَلِأَنَّ فِي هَذَا تَحَيُّلًا عَلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ التَّحَيُّلُ عَلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ، لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَزَوِّجِ وَالْغَرِيمِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ هَذَا الْمَالِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ فِيهِ.
(٤٤٧٠) فَصْلٌ: الرَّابِعُ أَنْ لَا تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ. فَإِنْ زَادَتْ، فَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَوْهُوبِ، فَلَمْ تَمْنَعْ الرُّجُوعَ، كَالزِّيَادَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمُنْفَصِلَةِ. وَالثَّانِيَةُ، تَمْنَعُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِكَوْنِهَا نَمَاءَ مِلْكِهِ، وَلَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهَا، كَالْمُنْفَصِلَةِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِيهَا، امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِي الْأَصْلِ.
لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَضَرَرِ التَّشْقِيصِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِرْجَاعٌ لِلْمَالِ بِفَسْخِ عَقْدٍ لِغَيْرِ عَيْبٍ فِي عِوَضِهِ، فَمَنْعُهُ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ، كَاسْتِرْجَاعِ الصَّدَاقِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ، أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ، أَوْ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي.
وَيُفَارِقُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّدَّ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ رَضِيَ بِبَدَلِ الزِّيَادَةِ. وَإِنْ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضِ، فَزَادَ أَحَدُهُمَا، وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ بِهِ عَيْبًا، قُلْنَا: بَائِعُ الْمَعِيبِ سَلَّطَ مُشْتَرِيَهُ عَلَى الْفَسْخِ، بِبَيْعِهِ الْمَعِيبَ، فَكَأَنَّ الْفَسْخَ وُجِدَ مِنْهُ. وَلِهَذَا قُلْنَا، فِيمَا إذَا فَسَخَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ لِعَيْبِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ: لَا صَدَاقَ لَهَا، كَمَا لَوْ فَسَخَتْهُ. وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ، كَالسِّمَنِ وَالطُّولِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ فِي الْمَعَانِي، كَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ، أَوْ إسْلَامٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ عَنْهُ. وَبِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الزِّيَادَةُ بِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَلَنَا أَنَّهَا زِيَادَةٌ لَهَا مُقَابِلٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَمَنَعَتْ الرُّجُوعَ، كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ. وَإِنْ زَادَ بِبُرْئِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صَمَمٍ، مَنَعَ الرُّجُوعَ، كَسَائِرِ الزِّيَادَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْعَيْنِ أَوْ التَّعَلُّمِ لَا تَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ شَيْئًا، أَوْ يَنْقُصُ مِنْهَا، لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْمَالِيَّةِ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، كَوَلَدِ الْبَهِيمَةِ، وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ، وَكَسْبِ الْعَبْدِ، فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ نَعْلَمُهُ
وَالزِّيَادَةُ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute