للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِهِ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، وَفِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ، فَيَسْتَوِيَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، حَلَفَ أَنَّهَا لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهَا، وَكَانَتْ الْعَيْنُ لَهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةِ، هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ، أَوْ يَكُونُ لَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ؟ فَرُوِيَ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَعَارَضَتَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَجَبَ إسْقَاطُهُمَا، كَالْخَبَرَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَتَسَاوَيَا، وَإِذَا سَقَطَا صَارَ الْمُخْتَلِفَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الدَّاخِلِ مَعَ بَيِّنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي نِصْفِهَا، فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ بِبَيِّنَتِهِ، وَيَحْلِفُ مَعَهَا، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، أَنَّ الْعَيْنَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْخَبَرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ رَاجِحَةٌ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ الرَّاجِحَةَ يُحْكَمُ بِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى يَمِينٍ. فَأَمَّا إنْ شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِأَنَّ الْعَيْنَ لِهَذَا، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهَا لِهَذَا الْآخَرِ، نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّرْجِيحِ بِهَذَا رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُرَجَّحُ بِهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ مِلْكُ الْعَيْنِ الْآنَ، فَوَجَبَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْحُكْمِ. وَالثَّانِيَةُ، تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ النِّتَاجِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ السَّبَبِ، وَالْأُخْرَى خَفِيَ عَلَيْهَا ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمَا مُسْتَنِدَةً إلَى مُجَرَّدِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ، فَتُقَدَّمُ الْأُولَى عَلَيْهَا، كَتَقَدُّمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا.

[فَصْل تَعَارُض الْبَيِّنَتَانِ فِي الْمِلْكِ]

(٨٥٠٩) فَصْلٌ: فَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>