أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَبْتَدِئَ قَالَ مَالِكٌ: وَيُصَلِّي لِنَفْسِهِ صَلَاةً تَامَّةً، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ صَلَاتِهِمْ قَعَدُوا وَانْتَظَرُوهُ حَتَّى يُتِمَّ وَيُسَلِّمَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْمَأْمُومِينَ لِلْإِمَامِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِهِ لَهُمْ، فَإِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا جُعِلَ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. وَعَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ إذَا فَرَغَ الْمَأْمُومُونَ قَبْلَ فَرَاغِ إمَامِهِمْ، وَقَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، فَإِنَّهُمْ يَجْلِسُونَ وَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يُتِمَّ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْتَظِرُ الْمَأْمُومِينَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَانْتِظَارُهُمْ لَهُ أَوْلَى. وَإِنْ سَلَّمُوا وَلَمْ يَنْتَظِرُوهُ جَازَ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَالْأَوْلَى انْتِظَارُهُ. وَإِنْ سَلَّمُوا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى خَلِيفَةٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا السَّلَامُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِخْلَافِ فِيهِ. وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَنَى جَلَسَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ جُلُوسِهِ، وَصَارَ تَابِعًا لِلْمَأْمُومِينَ، وَإِنْ ابْتَدَأَ جَلَسَ الْمَأْمُومُونَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ جُلُوسِهِمْ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهَذَا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الِاسْتِخْلَافُ فِي مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ حَيْثُ لَمْ يُحْتَجْ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ إذَا اسْتَخْلَفَ مِنْ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى]
(١٠١١) فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى؟ احْتَمَلَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ، وَإِلَّا سَبَّحُوا بِهِ، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ مَنْ خَلْفَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ. يَتَصَنَّعُ، فَإِنْ سَبَّحُوا بِهِ جَلَسَ، وَعَلِمَ أَنَّهَا الرَّابِعَةُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بَقَاءَ رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ وَيُقَدِّمُ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ، فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ الرَّجُلُ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي لِنَفْسِهِ صَلَاةً تَامَّةً فَإِنْ فَرَغُوا مِنْ صَلَاتِهِمْ قَعَدُوا وَانْتَظَرُوهُ. وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى مُتَقَارِبَةٌ. وَلَنَا، عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ، أَنَّهُ إنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ لِذَلِكَ، كَغَيْرِ الْمُسْتَخْلَفِ. وَلَنَا، عَلَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ أَنَّهُ شَكٌّ مِمَّنْ لَا ظَنَّ لَهُ، فَوَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، كَسَائِرِ الْمُصَلَّيْنَ.
[فَصْلٌ مِنْ أَجَازَ الِاسْتِخْلَاف فَقَدْ أَجَازَ نَقُلْ الْجَمَاعَة إلَى جَمَاعَة أُخْرَى]
(١٠١٢) فَصْلٌ: وَمَنْ أَجَازَ الِاسْتِخْلَافَ، فَقَدْ أَجَازَ نَقْلَ الْجَمَاعَةِ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى، لِلْعُذْرِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ. وَفَعَلَ هَذَا مَرَّةً أُخْرَى، جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إلَى جَانِبِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَسَارٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ قَائِمٌ، يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ.» وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَهَذَا يُقَوِّي جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى حَالَ الْعُذْرِ. فَيُخَرَّجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ اثْنَانِ بَعْضَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَنَوَى الْآخَرُ إمَامَتَهُ، أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ الِاسْتِخْلَافَ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute