للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَشَيْءٍ مِنْهَا، عَامِرًا كَانَ أَوْ مَوَاتًا، لِأَنَّ الْمَوَاتَ تَابِعٌ لِلْبَلَدِ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهِمْ الْبَلَدَ لَمْ يَمْلِكْ مَوَاتَهُ. وَيُفَارِقُ دَارَ الْحَرْبِ، حَيْثُ يَمْلِكُ مَوَاتَهَا؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَهَذِهِ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لَهُمْ، فَحُرِّمَتْ عَلَيْنَا

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَهَا مَنْ أَحْيَاهَا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ مُبَاحَاتِ دَارِهِمْ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهَا مَنْ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا، كَالْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّوَادِ مَوَاتٌ. يَعْنِي سَوَادَ الْعِرَاقِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَامِرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ ذَلِكَ لِكَوْنِ السَّوَادِ كَانَ مَعْمُورًا كُلُّهُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَحِينَ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ، حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ سَأَلَ أَنْ يُعْطَى خَرِبَةً، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ خَرِبَةً. فَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أُعْلِمَكُمْ كَيْف أَخَذْتُمُوهَا مِنَّا. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَوَاتٌ حِينَ مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ، لَمْ يَصِرْ فِيهَا مَوَاتٌ بَعْدَهُ، لِأَنَّ مَا دَثَرَ مِنْ أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَصِرْ مَوَاتًا، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

[فَصْلٌ إنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا]

(٤٣٣٦) فَصْلٌ: وَإِنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا، وَهُوَ أَنْ يَشْرَعَ فِي إحْيَائِهِ، مِثْلُ إنْ أَدَارَ حَوْلَ الْأَرْضِ تُرَابًا أَوْ أَحْجَارًا، أَوْ حَاطَهَا بِحَائِطٍ صَغِيرٍ، لَمْ يَمْلِكْهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا بِإِحْيَاءٍ، لَكِنْ يَصِيرُ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ، صَارَ الثَّانِي بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ. وَإِنْ مَاتَ فَوَارِثُهُ أَحَقُّ بِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» . فَإِنْ بَاعَهُ، لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ بِهِ، وَكَمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ أَوْ مُبَاحٍ قَبْلَ أَخْذِهِ

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ، فَإِنْ سَبَقَ غَيْرَهُ فَأَحْيَاهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يُمْلَكُ بِهِ، وَالتَّحَجُّرَ لَا يُمْلَكُ بِهِ، فَثَبَتَ الْمِلْكُ بِمَا يُمْلَكُ بِهِ دُونَ مَا لَمْ يُمْلَكْ بِهِ، كَمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ أَوْ مَشْرَعَةِ مَاءٍ، فَجَاءَ غَيْرُهُ، فَأَزَالَهُ وَأَخَذَهُ.

وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ " وَقَوْلِهِ: " فِي حَقِّ غَيْرِ مُسْلِمٍ، فَهِيَ لَهُ ". أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ فِيهَا حَقٌّ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»

وَرَوَى سَعِيدٌ، فِي " سُنَنِهِ " أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يَعْنِي مَنْ تَحَجَّرَ أَرْضًا فَعَطَّلَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَجَاءَ قَوْمٌ فَعَمَرُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمَرَهَا قَبْلَ ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يَمْلِكُهَا؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَ أَحْيَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْره، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ، فَكَانَ أَوْلَى، كَحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ السُّلْطَانُ: إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ، أَوْ تَتْرُكَهُ لِيُحْيِيَهُ غَيْرُك

لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>