رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ» . رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. الثَّانِي: فِيمَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمَاءِ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[فَصْلُ فِي الْوِصَالِ]
الثَّالِثُ: فِي الْوِصَالِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ. وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ، فَقَالُوا: إنَّك تُوَاصِلُ. قَالَ: إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِذَلِكَ، وَمَنْعَ إلْحَاقِ غَيْرِهِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى) . يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يُعَانُ عَلَى الصِّيَامِ، وَيُغْنِيه اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ، بِمَنْزِلَةِ مِنْ طَعِمَ وَشَرِبَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: إنِّي أُطْعَمُ حَقِيقَةً، وَأُسْقَى حَقِيقَةً، حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ لَوْ طَعِمَ وَشَرِبَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا، وَقَدْ أَقَرَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّك تُوَاصِلُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: (إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي النَّهَارِ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي النَّهَارِ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْوِصَالَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، تَقْرِيرًا لِظَاهِرِ النَّهْيِ فِي التَّحْرِيمِ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ الْمُبَاحَ، فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، كَمَا لَوْ تَرَكَهُ فِي حَالِ الْفِطْرِ. فَإِنْ قِيلَ: فَصَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ مُحَرَّمٌ، مَعَ كَوْنِهِ تَرْكًا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُبَاحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute