للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ لِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالْقِيمَةِ]

(٨٥٨٠) فَصْلٌ: وَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ حِينَ اللَّفْظِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حِينُ الْإِتْلَافِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ. وَلِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالْقِيمَةِ، عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا، رُجِعَ إلَى قَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ. فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ مَاتَ، أَوْ غَابَ، أَوْ تَأَخَّرَ تَقْوِيمُهُ زَمَنًا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْقِيَمُ، وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي صِنَاعَةٍ فِي الْعَبْدِ تُوجِبُ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يُحْسِنُ الصِّنَاعَةَ فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ تَعَلُّمُهَا فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّنَا عَلِمْنَا صِدْقَهُ. وَإِنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ حُدُوثُهَا فِيهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. وَالثَّانِي، الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ، وَعَدَمُ الْحُدُوثِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ يَنْقُصُ الْقِيمَةَ؛ كَسَرِقَةٍ، أَوْ إبَاقٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، فَبِالْجِهَةِ الَّتِي رَجَّحْنَا قَوْلَ الْمُعْتِقِ فِي نَفْيِ الصِّنَاعَةِ، نُرَجِّحُ قَوْلَ الشَّرِيكِ فِي نَفْيِ الْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِيهِ حَالَ الِاخْتِلَافِ، وَاخْتَلَفَا فِي حُدُوثِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَبَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَعَدَمُ حُدُوثِ الْعَيْبِ فِيهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْعَيْبِ حِينَ الْإِعْتَاقِ.

[فَصْلٌ الْمُعْتَبَرُ فِي يَسَارِ الْعِتْقِ]

فَصْلٌ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ فِي هَذَا، أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ الْكِسْوَةِ، وَالْمَسْكَنِ، وَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، يَدْفَعُهُ إلَى شَرِيكِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، فِي " التَّنْبِيهِ ". وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ مَا يَفِي بِالْقِيمَةِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا يَمْلِكُهُ مِنْهُ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تُبَاعُ فِيهِ دَارٌ، وَلَا رِبَاعٌ. وَمُقْتَضَى هَذَا، أَنْ لَا يُبَاعَ لَهُ أَصْلُ مَالٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُبَاعُ عَلَيْهِ سِوَارُ بَيْتِهِ، وَمَا لَهُ بَالٌ مِنْ كِسْوَتِهِ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ تَلَفُّظِهِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ الْوُجُوبِ، فَإِنْ أَيْسَرَ الْمُعْسِرُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَسْرِ إعْتَاقُهُ، وَإِنْ أَعْسَرِ الْمُوسِرُ، لَمْ يَسْقُطْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِعْسَارِهِ، كَدَيْنِ الْإِتْلَافِ. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ.

[فَصْلٌ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِشَرِيكِهِ إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ]

(٨٥٨٢) فَصْلٌ: إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِشَرِيكِهِ: إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك، فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِك. فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ، عَتَقَا مَعًا، وَلَمْ يَلْزَمْ الْمُعْتِقَ شَيْءٌ. وَقِيلَ: يَعْتِقُ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ نَصِيبِهِ شَرْطُ عِتْقِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي إعْتَاقِ نَصِيبِهِ مَعَ نَصِيبِهِ، فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا. وَإِنْ قَالَ: إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك، فَنَصِيبِي حُرٌّ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، سَرَى، وَعَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>