بِعَيْنِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمُزَنِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ حُصِلَ فِي يَدِهِ، فَقَدْ اسْتَعْجَلَ حَقَّهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ كَقَوْلِنَا. وَالثَّانِي، لَهُ نِصْفُ النِّصْفِ الْبَاقِي، وَنِصْفُ قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ. وَالثَّالِثُ، يَتَخَيَّرُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ النِّصْفِ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَجَدَ نِصْفَ مَا أَصْدَقَهَا بِعَيْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَمْ تَهَبْهُ شَيْئًا.
[فَصْل خَالِع امْرَأَتَهُ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا قَبْلَ دُخُولِهِ]
(٥٦٢٩) فَصْلٌ: فَإِنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا، قَبْلَ دُخُولِهِ، بِهَا صَحَّ وَصَارَ الصَّدَاقُ كُلُّهُ؛ لَهُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ، وَنِصْفُهُ بِالْخُلْعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا بِنِصْفِهِ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ النِّصْفَ يَسْقُطُ عَنْهُ، صَارَ مُخَالِعًا بِنِصْفِ النِّصْفِ الَّذِي يَبْقَى لَهَا، فَيَصِيرُ لَهُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ، وَالرُّبْعُ بِالْخُلْعِ. وَإِنْ خَالَعَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهَا، صَحَّ، وَسَقَطَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ؛ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ بِالْمُقَاصَّةِ بِمَا فِي ذِمَّتِهَا لَهُ مِنْ عِوَضِ الْخُلْعِ. وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي بِمَا تُسَلِّمُ لِي مِنْ صَدَاقِي. فَفَعَلَ، صَحَّ، وَبَرِئَ مِنْ جَمِيعِ الصَّدَاقِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى أَنْ لَا تَبِعَةَ عَلَيْك فِي الْمَهْرِ. صَحَّ، وَسَقَطَ جَمِيعُهُ عَنْهُ.
وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِمِثْلِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهَا، صَحَّ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالْمُقَاصَّةِ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ، يَبْقَى لَهَا عَلَيْهَا النِّصْفُ. وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِصَدَاقِهَا كُلِّهِ فَكَذَلِكَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ، لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَعَهَا بِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِسُقُوطِ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ، كَانَ مُخَالِعًا لَهَا بِنِصْفِهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِالطَّلَاقِ نِصْفُهُ، وَلَا يَبْقَى لَهَا شَيْءٌ.
[فَصْل أَبْرَأْت الْمُفَوِّضَةُ مِنْ الْمَهْرِ]
(٥٦٣٠) فَصْلٌ: وَإِذَا أَبْرَأْت الْمُفَوِّضَةُ مِنْ الْمَهْرِ، صَحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مُفَوِّضَةُ الْبُضْعِ وَمُفَوِّضَةُ الْمَهْرِ. وَكَذَلِكَ مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَاسِدٌ كَالْخَمْرِ وَالْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَإِنَّمَا جَهْلُ قَدْرِهِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا إسْقَاطٌ، فَصَحَّتْ فِي الْمَجْهُولِ كَالطَّلَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُفَوِّضَةَ لَمْ يَجِبْ لَهَا مَهْرٌ، فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِمَّا لَمْ يَجِبْ، وَغَيْرُهَا مَهْرُهَا مَجْهُولٌ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ، إلَّا أَنْ تَقُولَ: أَبْرَأْتُك مِنْ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ. فَيَبْرَأُ مِنْ مَهْرِهَا إذَا كَانَ دُونَ الْأَلْفِ.
وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى وُجُوبِهِ فِيمَا مَضَى، فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: أَبْرَأْتُك مِنْ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ. وَإِذَا أَبْرَأَتْ الْمُفَوِّضَةُ، ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ إلَى الْمُسَمَّى لَهَا. لَمْ يَرْجِعْ هَاهُنَا، وَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ ثَمَّ. احْتَمَلَ أَنْ لَا يَرْجِعَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كُلَّهُ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ، وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ بِالطَّلَاقِ ابْتِدَاءً.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute