أَحْمَدَ بْنِ هَاشِمٍ يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ الرَّجُلِ وَالْقَدَمِ، وَيُمَكِّنُ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ، فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ: لَا يَفْعَلُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ إنْ فَعَلَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنْ الْأَرْضِ» .
وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ قَالَ: إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ ". وَهَذَا قَالَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
وَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُمْكِنُهُ حَالَ الْعَجْزِ، فَصَحَّ، كَالْمَرِيضِ يَسْجُدُ عَلَى الْمِرْفَقَةِ، وَالْخَبَرُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَاجِزَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَلَا يَأْمُرُ الْعَاجِزَ عَنْ الشَّيْءِ بِفِعْلِهِ.
[فَصْلٌ إذَا زُحِمَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]
(١٣١٤) فَصْلٌ: وَإِذَا زُحِمَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يُزْحَمَ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ زُحِمَ فِي الْأُولَى، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ عَلَى ظَهْرٍ وَلَا قَدَمٍ، انْتَظَرَ حَتَّى يَزُولَ الزِّحَامُ، ثُمَّ يَسْجُدُ، وَيَتْبَعُ إمَامَهُ، مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ، سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ، وَبَقِيَ صَفٌّ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ، فَلَمَّا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ سَجَدُوا، وَجَازَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، كَذَا هَاهُنَا. فَإِذَا قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ، أَوْ فِي الرُّكُوعِ، أَتْبَعَهُ فِيهِ، وَصَحَّتْ لَهُ الرَّكْعَةُ، وَكَذَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ السُّجُودُ مَعَ إمَامِهِ، لِمَرَضٍ، أَوْ نَوْمٍ، أَوْ نِسْيَانٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ الْمَزْحُومَ.
فَإِنْ خَافَ أَنَّهُ إنْ تَشَاغَلَ بِالسُّجُودِ فَاتَهُ الرُّكُوعُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ، لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَتَصِيرُ الثَّانِيَةُ أُولَاهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَشْتَغِلُ بِقَضَاءِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ زَالَ الزِّحَامُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ وَلِلشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» . فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ: " فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ". قُلْنَا: قَدْ سَقَطَ الْأَمْرُ بِالْمُتَابَعَةِ فِي السُّجُودِ عَنْ هَذَا لِعُذْرِهِ، وَبَقِيَ الْأَمْرُ بِالْمُتَابَعَةِ فِي الرُّكُوعِ مُتَوَجِّهًا لِإِمْكَانِهِ، وَلِأَنَّهُ خَائِفٌ فَوَاتَ الرُّكُوعِ، فَلَزِمَهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ فِيهِ، كَالْمَسْبُوقِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَائِمًا فَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ بِعُسْفَانَ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِالسُّجُودِ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا، وَفَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ. وَإِنْ اعْتَقَدَ جَوَازَ ذَلِكَ فَسَجَدَ، لَمْ يُعْتَدَّ بِسُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ فِي مَوْضِعِ الرُّكُوعِ جَهْلًا،