وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ مُتَعَمِّدًا، إلَّا الْحَسَنَ وَمُجَاهِدًا، قَالَا: إذَا قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ.
وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَالذَّاكِرُ لِإِحْرَامِهِ مُتَعَمِّدٌ، وَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥] . وَالْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمَا. وَقَتْلُ الصَّيْدِ نَوْعَانِ، مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ، فَالْمُحَرَّمُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُبِيحُ قَتْلَهُ، فَفِيهِ الْجَزَاءُ.
وَالْمُبَاحُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يُضْطَرَّ إلَى أَكْلِهِ، فَيُبَاحَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] . وَتَرْكُ الْأَكْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلْقَاءٌ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَمَتَى قَتَلَهُ ضَمِنَهُ، سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، أَشْبَهَ صَيْدَ الْبَحْرِ.
وَلَنَا، عُمُومُ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ الصَّيْدِ يَقْتَضِي قَتْلَهُ، فَضَمِنَهُ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُ لَا لِمَعْنَى فِيهِ، أَشْبَهَ حَلْقَ الشَّعْرِ لِأَذَى بِرَأْسِهِ. النَّوْعُ الثَّانِي، إذَا صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ، فَلَهُ قَتْلُهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ قَتْلَهُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَكْلِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ حَيَوَانٌ قَتَلَهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَالْآدَمِيِّ الصَّائِلِ، وَلِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا، فَصَارَ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْشَى مِنْهُ التَّلَفَ أَوْ يَخْشَى مِنْهُ مَضَرَّةً، كَجَرْحِهِ، أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ، أَوْ بَعْضِ حَيَوَانَاتِهِ. النَّوْعُ الثَّالِثُ، إذَا خَلَّصَ صَيْدًا مِنْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةِ صَيَّادٍ، أَوْ أَخَذَهُ لِيُخَلِّصَ مِنْ رِجْلِهِ خَيْطًا، وَنَحْوَهُ فَتَلِفَ بِذَلِكَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ عَدِمَ الْقَصْدَ إلَى قَتْلِهِ، فَأَشْبَهَ قَتْلَ الْخَطَأِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ فِعْلٌ أُبِيحَ لِحَاجَةِ الْحَيَوَانِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَوْ دَاوَى وَلِيُّ الصَّبِيِّ الصَّبِيَّ فَمَاتَ بِذَلِكَ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُتَعَمِّدٍ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ.
[الْفَصْل الثَّانِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَم فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ]
(٢٦٦٦) الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَلَى الْمُتَعَمِّدِ بِالْكِتَابِ، وَعَلَى الْمُخْطِئِ بِالسُّنَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute