(٦٣٨٦) فَصْلٌ: وَمَنْ أَرَادَ بَيْعَ أَمَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، لِيُعْلَمَ خُلُوُّهَا مِنْ الْحَمْلِ، فَيَكُونَ أَحْوَطَ لِلْمُشْتَرِي، وَأَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ
قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنْ كَانَتْ لِامْرَأَةٍ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ لَا تَبِيعَهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، فَهُوَ أَحْوَطُ لَهَا. وَإِنْ كَانَ يَطَؤُهَا، وَكَانَتْ آيِسَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْحَمْلِ مَعْلُومٌ. وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحْمِلُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بَاعَ جَارِيَةً كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا.
وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ آكَدُ، وَلَا يَجِبُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَبَعْدَهُ، كَذَلِكَ لَا يَجِبُ فِي الْأَمَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ. وَلَنَا، أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْعَ جَارِيَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَارِيَةً كَانَ يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ عِنْدَ الَّذِي اشْتَرَاهَا، فَخَاصَمُوهُ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كُنْت تَقَعُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَبِعْتهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَبْرِئَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا كُنْت لِذَلِكَ بِخَلِيقٍ. قَالَ: فَدَعَا الْقَافَةَ، فَنَظَرُوا إلَيْهِ، فَأَلْحَقُوهُ بِهِ.
وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ لِحِفْظِ مَائِهِ، فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ؛ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مَشْكُوكٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجَوَازِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ، فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءِ لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ، فَإِنْ خَالَفَ وَبَاعَ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَمْ يَحْكُمَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي الْأَمَةِ الَّتِي بَاعَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا إلَّا بِلَحَاقِ الْوَلَدِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي كُلِّ أَمَةٍ يَطَؤُهَا، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ الْآيِسَةِ وَغَيْرِهَا. وَالْأُولَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ فِي الْآيِسَةِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْوُجُوبِ احْتِمَالُ الْحَمْلِ، وَهُوَ وَهْمٌ بَعِيدٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَلَا نُثْبِتُ بِهِ حُكْمًا بِمُجَرَّدِهِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ]
(٦٣٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحْوَالٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَهُ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ يَكُونَ الْبَائِعُ ادَّعَى الْوَلَدَ، فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينَ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، فَالْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ. الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ أَحَدِهِمَا لَهَا، وَلِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute