[فَصْلٌ مَرَّ فِي طَرِيقِهِ عَلَى بَلَدٍ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَالٌ هَلْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ]
(١٢٨٢) فَصْلٌ: وَإِنْ مَرَّ فِي طَرِيقِهِ عَلَى بَلَدٍ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَالٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي مَوْضِعٍ: يُتِمُّ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: يُتِمُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَارًّا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إذَا مَرَّ بِمَزْرَعَةٍ لَهُ أَتَمَّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ أَوْ مَالُهُ أَتَمَّ، إذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يَقْصُرُ، مَا لَمْ يُجْمِعْ عَلَى إقَامَةِ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى أَرْبَعٍ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ مُنْذُ قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الْمُسْنَدِ ".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا قَدِمْتَ عَلَى أَهْلٍ لَكَ أَوْ مَالٍ، فَصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ. وَلِأَنَّهُ مُقِيمٌ بِبَلَدٍ فِيهِ أَهْلُهُ، فَأَشْبَهَ الْبَلَدَ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ.
[فَصْلٌ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ هَلْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ]
(١٢٨٣) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ، فَلَا يُقِيمُ بِهَا حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَهَذَا يُصَلِّي بِعَرَفَةَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَنْشَأَ السَّفَرَ، فَهُوَ فِي سَفَرٍ مِنْ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ مُقِيمًا بِبَغْدَادَ، فَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْكُوفَةِ، فَعَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِالنَّهْرَوَانِ، ثُمَّ رَجَعَ فَمَرَّ بِبَغْدَادَ ذَاهِبًا إلَى الْكُوفَةِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إذَا كَانَ يَمُرُّ بِبَغْدَادَ مُجْتَازًا، لَا يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِهَا. وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ فِي نِيَّتِهِ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ إذَا رَجَعَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ بِعَرَفَةَ، وَلِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ لَا يَقْصُرُونَ.
وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ مَكِّيٍّ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَأَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، صَحَّتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ يَقْصُرُ بِتَأْوِيلٍ، فَصَحَّتْ صَلَاةُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ.
[فَصْلٌ خَرَجَ الْمُسَافِرُ فَذَكَرَ حَاجَةً فَرَجَعَ إلَيْهَا هَلْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ]
(١٢٨٤) فَصْلٌ: وَإِذَا خَرَجَ الْمُسَافِرُ، فَذَكَرَ حَاجَةً، فَرَجَعَ إلَيْهَا، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي رُجُوعِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ يُقِيمَ إذَا رَجَعَ مُدَّةً تَقْطَعُ الْقَصْرَ، أَوْ يَكُونَ أَهْلُهُ أَوْ مَالُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. هَكَذَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَوْلُهُ، فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: أَتَمَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَارًّا.
يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَصَدَ أَخْذَ حَاجَتِهِ، وَالرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ