أُخْرَى. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ التَّكْفِيرِ، وَهَذَا خَاصٌّ لِذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ، لَا يَتَعَدَّاهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعَرَقَ، وَلَمْ يُسْقِطْهَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ. وَهَذَا رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَلَنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، وَدَعْوَى التَّخْصِيصِ لَا تُسْمَعُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَجْزِهِ فَلَمْ يُسْقِطْهَا. قُلْنَا: قَدْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّهُ اطِّرَاحٌ لِلنَّصِّ بِالْقِيَاسِ، وَالنَّصُّ أَوْلَى، وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَجْزِ فِي حَالَةِ الْوُجُوبِ، وَهِيَ حَالَةُ الْوَطْءِ.
[مَسْأَلَةُ جَامَعَ فِي رَمَضَان فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ ثَانِيَةً]
(٢٠٦٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ جَامَعَ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ ثَانِيَةً، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا جَامَعَ ثَانِيًا قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي يَوْمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةُ تُجْزِئُهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ عَنْ جِنَايَةٍ تَكَرَّرَ سَبَبُهَا قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا، فَيَجِبُ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالْحَدِّ.
وَالثَّانِي: لَا تُجْزِئُ وَاحِدَةٌ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، فَإِذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهِ لَمْ تَتَدَاخَلْ، كَرَمَضَانَيْنِ، وَكَالْحَجَّتَيْنِ.
[مَسْأَلَةُ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً]
(٢٠٧٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً، فَكَفَّارَةُ ثَانِيَةٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي يَوْمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَوْمَيْنِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي كُلِّ مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا، مِثْلُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، أَوْ أَكَلَ عَامِدًا، ثُمَّ جَامَعَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا شَيْء عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الصَّوْمَ، وَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ، فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا، كَالْجِمَاعِ فِي اللَّيْلِ. وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ فِيهَا، فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute