[فَصْلٌ لَيْسَ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ سُجُودٌ لِذَلِكَ]
(٩٣١) فَصْلٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ سُجُودٌ لِذَلِكَ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِسْحَاقَ، فِي مَنْ أَدْرَكَ وِتْرًا مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّشَهُّدِ وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَاقْضُوا» وَلَمْ يَأْمُرْ بِسُجُودٍ وَلَا نُقِلَ ذَلِكَ، وَقَدْ فَاتَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضُ الصَّلَاةِ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَضَاهَا وَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ سُجُودٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ جَلَسَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَشَهُّدِهِ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ يُشْرَعُ لِلسَّهْوِ، هَاهُنَا وَلِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ، فَلَمْ يَسْجُدْ لِفِعْلِهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.
[فَصْلٌ لَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِشَيْءِ فَعَلَّه أَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا]
(٩٣٢) فَصْلٌ: وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِشَيْءٍ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ الْجَبْرُ بِسَهْوِهِ تَعَلَّقَ بِعَمْدِهِ، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ. وَلَنَا، أَنَّ السُّجُودَ يُضَافُ إلَى السَّهْوِ، فَيَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِهِ فِي السَّهْوِ، فَقَالَ «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْجِبَارِ السَّهْوِ بِهِ انْجِبَارُ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي السَّهْوِ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي الْعَمْدِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِزِيَادَةِ رُكْنٍ أَوْ رَكْعَةٍ، أَوْ قِيَامٍ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ، أَوْ جُلُوسٍ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ، وَلَا يُشْرَعُ لِحَدِيثِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فِيهِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلَا تَكَادُ صَلَاةٌ تَخْلُو مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.
[فَصْلٌ حُكْمُ النَّافِلَةِ حُكْمُ الْفَرْضِ فِي سُجُودِ السَّهْو]
(٩٣٣) فَصْلٌ: وَحُكْمُ النَّافِلَةِ حُكْمُ الْفَرْضِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، إلَّا أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ قَالَ: لَا يُشْرَعُ فِي النَّافِلَةِ. وَهَذَا يُخَالِفُ عُمُومَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ.» وَقَالَ «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهَا كَالْفَرِيضَةِ، وَلَوْ قَامَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقِيَامِ إلَى ثَالِثَةٍ فِي الْفَجْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِالْعِرَاقِ كَقَوْلِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ كَقَوْلِهِ، وَفِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: إنْ ذَكَرَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فِي الثَّالِثَةِ جَلَسَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ رُكُوعِهِ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا. وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى» وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَ حُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَمَّا صَلَاةُ النَّهَارِ فَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute