للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَقْفِ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ، الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ صِيَانَةً لِمَقْصُودِ الْوَقْفِ عَنْ الضَّيَاعِ، مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ، وَمَعَ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ قَلَّ مَا يَضِيعُ الْمَقْصُودُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ فِي قِلَّةِ النَّفْعِ إلَى حَدٍّ لَا يُعَدُّ نَفْعًا، فَيَكُونُ وُجُودُ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ.

[فَصْلٌ فِي جَعْلِ مَسْجِدٍ سِقَايَةً وَحَوَانِيت]

(٤٤١٤) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، فِي مَسْجِدٍ أَرَادَ أَهْلُهُ رَفْعَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَيُجْعَلُ تَحْتَهُ سِقَايَةٌ وَحَوَانِيتُ، فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ: فَيُنْظَرُ إلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَذَهَبَ ابْنُ حَامِدٍ إلَى أَنَّ هَذَا فِي مَسْجِدٍ أَرَادَ أَهْلُهُ إنْشَاءَهُ ابْتِدَاءً، وَاخْتَلَفُوا كَيْفَ يُعْمَلُ؟ وَسَمَّاهُ مَسْجِدًا قَبْلَ بِنَائِهِ تَجَوُّزًا؛ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَيْهِ، أَمَّا بَعْدَ كَوْنِهِ مَسْجِدًا لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ سِقَايَةً وَلَا حَوَانِيتَ

وَذَهَبَ الْقَاضِي إلَى ظَاهِر اللَّفْظِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مَسْجِدًا، فَأَرَادَ أَهْلُهُ رَفْعَهُ، وَجَعْلَ مَا تَحْتَهُ سِقَايَةً لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَوْلَى، وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ؛ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ، وَإِبْدَالُهُ، وَبَيْعُ سَاحَتِهِ، وَجَعْلُهَا سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ، إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَالْحَاجَةُ إلَى سِقَايَةٍ وَحَوَانِيتَ لَا تُعَطِّلُ نَفْعَ الْمَسْجِدِ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ جَعْلُ أَسْفَلِ الْمَسْجِدِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ لِهَذِهِ الْحَاجَةِ، لَجَازَ تَخْرِيبُ الْمَسْجِدِ وَجَعْلُهُ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ وَيُجْعَلُ بَدَلَهُ مَسْجِدًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ

قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ بِحَصِينٍ مِنْ الْكِلَابِ، وَلَهُ مَنَارَةٌ، فَرَخَّصَ فِي نَقْضِهَا، وَبِنَاءِ حَائِطِ الْمَسْجِدِ بِهَا

لِلْمَصْلَحَةِ.

[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْرَسَ فِي الْمَسْجِدِ شَجَرَةٌ]

(٤٤١٥) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغْرَسَ فِي الْمَسْجِدِ شَجَرَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ: إنْ كَانَتْ غُرِسَتْ النَّخْلَةُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَسْجِدًا، فَهَذِهِ غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا أُحِبُّ الْأَكْلَ مِنْهَا، وَلَوْ قَلَعَهَا الْإِمَامُ لَجَازَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَمْ يُبْنَ لِهَذَا، وَإِنَّمَا بُنِيَ لِذَكَرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقِرَانِ، وَلِأَنَّ الشَّجَرَةَ تُؤْذِي الْمَسْجِدَ وَتَمْنَعُ الْمُصَلَّيْنَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِهَا، وَيَسْقُطُ وَرَقُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَثَمَرُهَا، وَتَسْقُطُ عَلَيْهَا الْعَصَافِيرُ وَالطَّيْرُ فَتَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، وَرُبَّمَا اجْتَمَعَ الصِّبْيَانُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِهَا، وَرَمَوْهَا بِالْحِجَارَةِ لِيَسْقُطَ ثَمَرُهَا

فَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّخْلَةُ فِي أَرْضٍ، فَجَعَلَهَا صَاحِبُهَا مَسْجِدًا وَالنَّخْلَةُ فِيهَا فَلَا بَأْسَ. قَالَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ: لَا بَأْسَ. يَعْنِي أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْجِيرَانِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فِي النَّبْقَةِ: لَا تُبَاعُ، وَتُجْعَلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الدَّرْبِ يَأْكُلُونَهَا. وَذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -، لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمَّا جَعَلَهَا مَسْجِدًا وَالنَّخْلَةُ فِيهَا، فَقَدْ وَقَفَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَةَ مَعَهَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفَهَا، فَصَارَتْ كَالْوَقْفِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ مَصْرِفٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ، أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ. فَأَمَّا إنْ قَالَ صَاحِبُهَا: هَذِهِ وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ

فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ ثَمَرُهَا، وَيُصْرَفَ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَقَفَهَا عَلَى الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عِنْدِي أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا احْتَاجَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>