وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ جَزُورًا بِأَرْضِ الرُّومِ، فَلَمَّا بَرَدَتْ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْجَزُورِ، فَقَدْ أَذِنَّا لَكُمْ. فَقَالَ مَكْحُولٌ: يَا غَسَّانِيُّ، أَلَا تَأْتِينَا مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْجَزُورِ؟ فَقَالَ الْغَسَّانِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَمَا تَرَى عَلَيْهَا مِنْ النُّهْبَى؟ قَالَ مَكْحُولٌ: لَا نُهْبَى فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ. (٧٥٨٣) .
فَصْلٌ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّ مَا عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ سِيَاقَتِهِ وَأَخْذِهِ، إنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَعِينُ بِهِ الْكُفَّارُ فِي الْقِتَالِ، كَالْخَيْلِ، جَازَ عَقْرُهُ وَإِتْلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْرُمُ إيصَالُهُ إلَى الْكُفَّارِ بِالْبَيْعِ فَتَرْكُهُ لَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ، فَلِلْمُسْلِمِينَ ذَبْحُهُ، وَالْأَكْلُ مِنْهُ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، لَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إفْسَادٍ وَإِتْلَافٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ» .
[مَسْأَلَة لَا يُحَرِّقُ زَرْعَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي بِلَادِنَا أَهْل الذِّمَّة]
(٧٥٨٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يَقْطَعُ شَجَرَهُمْ، وَلَا يُحَرِّقُ زَرْعَهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي بِلَادِنَا، فَيُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ لِيَنْتَهُوا وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إتْلَافِهِ كَاَلَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حُصُونِهِمْ، وَيَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ، أَوْ يُسْتَرُونَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ، أَوْ تَمَكُّنٍ مِنْ قِتَالٍ، أَوْ سَدِّ بَثْقٍ، أَوْ إصْلَاحِ طَرِيقٍ، أَوْ سِتَارَةِ مَنْجَنِيقٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَكُونُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا، فَيُفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ، لِيَنْتَهُوا، فَهَذَا يَجُوزُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
الثَّانِي، مَا يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ، لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لِعَلُوفَتِهِمْ، أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ، أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، أَوْ تَكُونُ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا، فَإِذَا فَعَلْنَاهُ بِهِمْ فَعَلُوهُ بِنَا، فَهَذَا يَحْرُمُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ. الثَّالِثُ، مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَفْعٌ سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ، وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَوَصِيَّتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا مَحْضًا، فَلَمْ يَجُزْ، كَعَقْرِ الْحَيَوَانِ. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute