الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا قَدْرَ لَهُ، وَيَبَرُّ بِأَدْنَى زَمَنٍ؛ لِأَنَّ الْحِينَ اسْمٌ مُبْهَمٌ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: ٨٨] . قِيلَ: أَرَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: ١] . وَقَالَ: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: ٥٤] . وَقَالَ: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] . وَيُقَالُ: جِئْت مُنْذُ حِينٍ. وَإِنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ سَاعَةٍ. وَلَنَا، أَنَّ الْحِينَ الْمُطْلَقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
قَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٥] : إنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَى مُطْلَقِ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ، وَمَا اسْتَشْهَدُوا بِهِ مِنْ الْمُطْلَقِ فِي كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَقَلُّهُ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حُقْبًا]
(٨١١١) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حُقْبًا. فَذَلِكَ ثَمَانُونَ عَامًا، وَقَالَ مَالِكٌ أَرْبَعُونَ عَامًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: هُوَ أَدْنَى زَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ تَقْدِيرٌ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: ٢٣] : الْحُقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُفْضِي إلَى حَمْلِ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: ٢٣] وَقَوْلِ مُوسَى: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: ٦٠] إلَى اللُّكْنَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ التَّكْثِيرِ، فَإِذَا صَارَ مَعْنَى ذَلِكَ (لَابِثِينَ فِيهَا) سَاعَاتٍ أَوْ لَحَظَاتٍ أَوْ، أَمْضِيَ لَحَظَاتٍ وَسَاعَاتٍ، صَارَ مُقْتَضَى ذَلِكَ التَّقْلِيلَ، وَهُوَ ضِدُّ مَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى بِكَلَامِهِ، وَضِدُّ الْمَفْهُومِ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا نَعْلَمُ، فَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحُقْبِ بِهِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يُكَلِّمَهُ زَمَنًا أَوْ وَقْتًا أَوْ دَهْرًا أَوْ عُمْرًا]
(٨١١٢) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمَهُ زَمَنًا، أَوْ وَقْتًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ عُمْرًا، أَوْ مَلِيًّا، أَوْ طَوِيلًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ قَرِيبًا بَرَّ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فِي قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَا حَدَّ لَهَا فِي اللُّغَةِ، وَتَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَقَلِّ مَا تَنَاوَلَهُ اسْمُهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَرِيبُ بَعِيدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَقَرِيبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّحْدِيدُ بِالتَّحَكُّمِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ بِالتَّوْقِيفِ، وَلَا تَوْقِيفَ هَاهُنَا، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute