[فَصْل حُكْم الْيَمِين إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ مُعَسِّر بِهِ]
(٨٤٣٨) فَصْلٌ: وَمِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِهِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ. وَبِهَذَا قَالَ الْمُزَنِيّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] . وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ، لَمْ يَجِبْ إنْظَارُهُ بِهِ.
[فَصْل يَمِينُ الْحَالِفِ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ]
(٨٤٣٩) فَصْلٌ: وَيَمِينُ الْحَالِفِ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ، أَوْ اسْتَوْدَعَهُ وَدِيعَةً، أَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ، نَظَّرْنَا فِي جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ فَإِنْ قَالَ: مَا غَصَبْتُك، وَلَا اسْتَوْدَعْتنِي، وَلَا أَقْرَضْتنِي. كُلِّفَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: مَالَكَ عَلَيَّ حَقٌّ، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَيْته، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ. كَانَ جَوَابًا صَحِيحًا. وَلَا يُكَلَّفُ الْجَوَابَ عَنْ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَصَبَ مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ كُلِّفَ فَجَحَدَ ذَلِكَ كَانَ كَاذِبًا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، فَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ الْيَمِينُ، حَلَفَ عَلَى حَسَبِ مَا أَجَابَ.
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّنِي ابْتَعْت مِنْك الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِك، فَأَنْكَرَهُ، وَطَلَبَ يَمِينَهُ، نَظَرْنَا فِي جَوَابِهِ؛ فَإِنْ أَجَابَ بِأَنَّك لَا تَسْتَحِقُّهَا. حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا ابْتَاعَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْتَاعُهَا مِنْهُ ثُمَّ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ. وَإِنْ أَجَابَ بِأَنَّك لَمْ تَبْتَعْهَا مِنِّي. حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ، فَأَنْكَرَهُ، هَلْ يَحْلِفُ: مَا أَوْدَعْتنِي؟ قَالَ: إذَا حَلَفَ: مَالَكَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَا لَك فِي يَدِي شَيْءٌ. فَهُوَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ عَلَى حَسَبِ الْجَوَابِ، وَأَنَّهُ مَتَى حَلَفَ: مَالَكَ قِبَلِي حَقٌّ. بَرِئَ بِذَلِكَ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.
[فَصْل هَلْ تَدْخُلُ الْيَمِينَ النِّيَابَةُ]
(٨٤٤٠) فَصْلٌ: وَلَا تَدْخُلُ الْيَمِينَ النِّيَابَةُ، وَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، لَمْ يُحْلَفْ عَنْهُ وَوُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ وَيَعْقِلَ الْمَجْنُونُ، وَلَمْ يَحْلِفْ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَلَوْ ادَّعَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ حَقًّا، أَوْ ادَّعَاهُ الْوَصِيَّ أَوْ الْأَمِينُ لَهُ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ.
وَمَنْ لَمْ يَرَ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ، وَرَأَى رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لَمْ يَحْلِفْ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا، وَلَكِنْ تَقِفُ الْيَمِينُ، وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ مَحْضَرًا بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْعَبْدِ دَعْوَى، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ فِيهَا عَلَى نَفْسِهِ، كَالْقِصَاصِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْقَذْفِ، فَالْخُصُومَةُ مَعَهُ دُونَ سَيِّدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute