وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْمَعِيبَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِيهِ صَحِيحٌ، فَإِنَّ الْغَالِبَ الصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ النِّصَابِ مَرِيضًا إلَّا بَعْضَ الْفَرِيضَةِ، أَخْرَجَ الصَّحِيحَةَ، وَتَمَّمَ الْفَرِيضَةَ مِنْ الْمِرَاضِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَالْحُكْمُ فِي الْهَرِمَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْمَعِيبَةِ سَوَاءٌ.
[مَسْأَلَة مَا يُجْزِئ فِي الصَّدَقَة]
(١٧١٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا الرُّبَى، وَلَا الْمَاخِضُ، وَلَا الْأَكُولَةُ) قَالَ أَحْمَدُ: الرُّبَى الَّتِي قَدْ وَضَعَتْ وَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا. يَعْنِي قَرِيبَةَ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: فِي رُبَابِهَا. كَمَا تَقُولُ: فِي نِفَاسِهَا. قَالَ الشَّاعِرُ:
حُنَيْنَ أُمِّ الْبَوِّ فِي رُبَابِهَا
قَالَ أَحْمَدُ: وَالْمَاخِضُ الَّتِي قَدْ حَانَ وِلَادُهَا، فَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ لَمْ يَحِنْ وِلَادُهَا، فَهِيَ خِلْفَةٌ وَهَذِهِ الثَّلَاثُ لَا تُؤْخَذُ لِحَقِّ رَبِّ الْمَالِ. قَالَ عُمَرُ لِسَاعِيهِ: لَا تَأْخُذْ الرُّبَى وَلَا الْمَاخِضَ، وَلَا الْأَكُولَةَ، وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ. وَإِنْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِهَا جَازَ أَخْذُهَا، وَلَهُ ثَوَابُ الْفَضْلِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ أَخْذِ الرَّدِيءِ مِنْ أَجْلِ الْفُقَرَاءِ، وَمِنْ أَخْذِ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَجْلِ أَرْبَابِهِ، ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَسَطِ مِنْ الْمَالِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَّمَ الشِّيَاهَ أَثْلَاثًا: ثُلُثٌ خِيَارٌ، وَثُلُثٌ أَوْسَاطٌ وَثُلُثٌ شِرَارٌ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَهُ إمَامُنَا، وَذَهَبَ إلَيْهِ. وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ دُلَيْمٍ، «قَالَ: كُنْت فِي غَنَمٍ لِي، فَجَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَى بَعِيرٍ، فَقَالَا: إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْكَ؛ لِتُؤَدِّيَ إلَيْنَا صَدَقَةَ غَنَمِك، قُلْت: وَمَا عَلَيَّ فِيهَا؟ قَالَا: شَاةٌ. فَعَمَدَ إلَى شَاةٍ قَدْ عَرَفَ مَكَانَهَا مُمْتَلِئَةً مَخْضًا وَشَحْمًا، فَأَخْرَجَهَا إلَيْهِمَا. فَقَالَا: هَذِهِ شَافِعٌ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَأْخُذَ شَاةً شَافِعًا» .
وَالشَّافِعُ: الْحَامِلُ؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ وَلَدَهَا قَدْ شَفَعَهَا، وَالْمَخْضُ: اللَّبَنُ. «وَقَالَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ: سِرْت، أَوْ أَخْبَرَنِي مَنْ سَارَ، مَعَ مُصَدِّقِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِذَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا نَأْخُذَ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ. قَالَ: فَكَانَ يَأْتِي الْمِيَاهَ حِينَ تَرِدُ الْغَنَمُ فَيَقُولُ: أَدُّوا صَدَقَاتِ أَمْوَالِكُمْ. قَالَ: فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ، وَهِيَ الْعَظِيمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute