فَرَضِيَ، لَمْ يَصِحَّ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ خَطَبَ جَارِيَةً، فَزَوَّجُوهُ أُخْتَهَا، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ الصَّدَاقُ عَلَى وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَيُجَهِّزُ إلَيْهِ أُخْتَهَا الَّتِي خَطَبَهَا بِالصَّدَاقِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ، يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ.
وَقَوْلُهُ: يُجَهِّزُ إلَيْهِ أُخْتَهَا يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ هَذِهِ إنْ كَانَ أَصَابَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي عَقَدَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ صَدَرَ فِي إحْدَاهُمَا، وَالْقَبُولَ فِي الْأُخْرَى، فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي هَذِهِ وَلَا فِي تِلْكَ فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ فِي إحْدَاهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَ، جَازَ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا: لَهَا الْمَهْرُ بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَلِأُخْتِهَا الْمَهْرُ. قِيلَ: يَلْزَمُهُ مَهْرَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَرْجِعُ عَلَى وَلِيِّهَا، هَذِهِ مِثْلُ الَّتِي بِهَا بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ. عَلِيٌّ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي امْرَأَةٍ جَاهِلَةٍ بِالْحَالِ أَوْ بِالتَّحْرِيمِ.
أَمَّا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لَهَا صَدَاقٌ؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ، فَأَمَّا إنْ جَهِلَتْ الْحَالَ فَلَهَا الْمَهْرُ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَا امْرَأَتَيْنِ، فَزُفَّتْ كُلُّ امْرَأَةٍ إلَى زَوْجِ الْأُخْرَى: لَهُمَا الصَّدَاقُ، وَيَعْتَزِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَتَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
[فَصْلٌ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ]
(٥٣١٩) فَصْلٌ: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِدٍ وَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا، كَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعِ، ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَاضِرَةً، فَقَالَ: زَوَّجْتُك هَذِهِ صَحَّ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ تَكْفِي فِي التَّعْيِينِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: بِنْتِي هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ فُلَانَةُ كَانَ تَأْكِيدًا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً فَقَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا جَازَ. فَإِنْ سَمَّاهَا بِاسْمِهَا مَعَ ذَلِكَ، كَانَ تَأْكِيدًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ، مِنْ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ، فَيَقُولَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي الْكُبْرَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الصُّغْرَى فَإِنْ سَمَّاهَا مَعَ ذَلِكَ كَانَ تَأْكِيدًا
وَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَائِشَةَ أَوْ فَاطِمَةَ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ اسْمُهَا فَاطِمَةُ، فَقَالَ: زَوَّجْتُك فَاطِمَةَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْفَوَاطِمِ، حَتَّى يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ: ابْنَتِي.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَصِحُّ إذَا نَوَيَاهَا جَمِيعًا. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ تُعْتَبَرُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا إذَا ثَبَتَ بِهِ الْعَقْدُ، وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ فِي النِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي وَلَهُ بَنَاتٌ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُمَيِّزَهَا بِلَفْظِهِ وَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُك فَاطِمَةَ ابْنَةَ فُلَانٍ احْتَاجَ أَنْ يَرْفَعَ فِي نَسَبِهَا حَتَّى يَبْلُغَ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ النِّسَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute