إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَطْئِهَا. وَكَذَلِكَ إنْ فَارَقَهَا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُتَرَاخِيًا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَقِيبَهُ وَأَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَهُ صَاحِبُهُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إنْ مَاتَتْ، لَمْ يَرِثْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. وَلَنَا أَنَّ مَنْ وَرِثَهَا إذَا كَفَّرَ وَرِثَهَا وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ، كَالْمُولِي مِنْهَا.
[الْفَصْلُ الثَّانِي طَلَّقَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا]
(٦١٨٦) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ. وَسَوَاءٌ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، أَوْ قَبْلَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمَالِكٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إذَا بَانَتْ سَقَطَ الظِّهَارُ، فَإِذَا عَادَ فَنَكَحَهَا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ، وَقَوْلٌ ثَالِثٌ، إنْ كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ بِالثَّلَاثِ، لَمْ يَعُدْ الظِّهَارُ، وَإِلَّا عَادَ. وَبَنَاهُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ فِي عَوْدِ صِفَةِ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] . وَهَذَا قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَتَمَاسَّا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلِأَنَّهُ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَسُّهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ، كَاَلَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَيَمِينُ الظِّهَارَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَلَمْ يَبْطُلْ حُكْمُهَا بِالطَّلَاقِ، كَالْإِيلَاءِ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْعَوْدَ فِي الظِّهَارِ بَعْدَ الْكَفَّارَةِ]
(٦١٨٧) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ، فَمَتَى وَطِئَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهَا شَرْطٌ لِحِلِّ الْوَطْءِ، فَيُؤْمَرُ بِهَا مَنْ أَرَادَهُ لِيَسْتَحِلَّهُ بِهَا، كَمَا يُؤْمَرُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَنْ أَرَادَ حِلَّ الْمَرْأَةِ. وَحُكِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. إلَّا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ وَطِئَ، وَهِيَ عِنْدَهُ فِي حَقِّ مَنْ وَطِئَ كَمَنْ لَمْ يَطَأْ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: الْعَوْدُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ. إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْعَازِمِ عَلَى الْوَطْءِ، إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ، إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ بَعْدَ الْعَزْمِ، أَوْ طَلَّقَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ هَذَا، فَقَالَ: مَالِكٌ يَقُولُ: إذَا أَجْمَعَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا، إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَمَا يُجْمِعُ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ طَاوُسٍ: إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ لَزِمَهُ مِثْلُ الطَّلَاقِ. وَلَمْ يُعْجِبْ أَحْمَدَ قَوْلُ طَاوُسٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: ٣] . قَالَ: الْعَوْدُ الْغَشَيَانُ، إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْشَى كَفَّرَ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] . فَأَوْجَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute