وَهَذَا وَعِيدٌ لَا يَلْحَقُ بِالْمُبَاحِ.
وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِمَا يَمْنَعُ مِنْهَا، كَاللَّهْوِ، وَالتِّجَارَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِهِ وَعَائِشَةَ، أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَتُعَارِضُ قَوْلَهُ، ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الْوَقْتِ. (١٣٨٧) فَصْلٌ: وَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا، الْمَنْعُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِيَةَ، الْجَوَازُ: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تَجِبْ، فَلَمْ يَحْرُمْ السَّفَرُ كَاللَّيْلِ.
وَالثَّالِثَةَ، يُبَاحُ لِلْجِهَادِ دُونَ غَيْرِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَّهَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ، فَتَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا خَلَّفَكَ؟ قَالَ: الْجُمُعَةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قَالَ: غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَرَاحَ مُنْطَلِقًا.» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ ".
وَالْأَوْلَى الْجَوَازُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِيئَةٌ مِنْ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ إمْكَانُ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَمَا قَبْلَ يَوْمِهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَمْنَعُ السَّفَرَ، وَيُخْتَلَفُ فِيمَا قَبْلَهُ، زَوَالُ الشَّمْسِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ. وَلَعَلَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الْعِيدِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَهَا رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ الْمَنْعِ، كَتَقْدِيمِ الْآخِرَةِ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إلَى وَقْتِ الْأُولَى.
(١٣٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ خَافَ الْمُسَافِرُ فَوَاتِ رُفْقَتِهِ، جَازَ لَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي بَلَدِهِ فَأَرَادَ إنْشَاءَ السَّفَرِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ إنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا]
(١٣٨٩) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: إنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنْ شَاءَ سِتًّا، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَرَوْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أَرْبَعًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي مُوسَى، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالثَّوْرِيِّ، أَنَّهُ يُصَلِّي سِتًّا، لِمَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَصَلَّى الْجُمُعَةَ، تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute